أظهرت تطورات اليومين الماضيين ان الحاجة ماسة، بل »ضرورة الضرورات«، ان يعود الجميع، دون استثناء، الى مراجعة نقدية لسائر المواقف والاصطفافات، التي أظهرت أنها في الغالب تفتقد رؤية استراتيجية.. فالشغل على ما يظهر، هو »بالقطعة« و»لكل مقام مقال«؟!
لم يكن تفجير فردان، الذي استهدف »بنك لبنان والمهجر«، معزولاً عن سائر التطورات التي تراكمت على مدى سنوات وتوجت بالقرارات الأميركية التي لا يمكن للبنان في ظل أوضاعه الراهنة ان يتحمل نتائج سياسة ادارة الظهر لها، او رميها في سلة المهملات، والافرقاء اللبنانيون، من أعلى الهرم الى قاعدته، منقسمون بين متحمس حتى الشهادة لتنفيذ القرار الاميركي، ورافض له وإن تحت »سقف وطني«؟!
الواضح الى الآن، ان »جمعية المصارف« تتجنب المغامرة والدعسات الناقصة، وابداء الاستعداد للحوار دليل على ذلك، لكن السؤال الى أي مدى تستطيع الجمعية الذهاب بعيداً وهي تعرف ان القرار الأميركي لا عودة عنه، وذلك على الرغم من »الحوار البناء« بين حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وبين قيادة »حزب الله«؟!
قد يكون ما حصل اشارة لافتة الى طريقة الاستلشاق التي تعتمدها »حكومة المصلحة الوطنية« في ادارة الملفات الجوهرية، والأساسية.. ولا تتراجع عنها.. وهي (أي الحكومة) لا تدخل في الموضوع، إلا بعد ان يكون قد فرض نفسه كأمر واقع ويستحيل معه الوصول الى توافق او اجماع او – على الأقل – تفاهم الحد الأدنى..
لا أحد يبدو سعيداً مما جرى، او مما يمكن ان يجري من تداعيات.. فما حصل في فردان لم يأت من فراغ، ولم يكن وليد نزوة عابرة، او مجرد تسجيل موقف.. والذين هم وراء التفجير، يعرفون من أين يبدأون والى أين سيصلون، وأول المستهدفين هو لبنان، كل لبنان..
ليس من شك في ان لبنان، في »العين الأمنية« والتقارير تجمع على ان لبنان في »عين العاصفة«، وما تفجير فردان، سوى اشارة.. والأجهزة الأمنية اللبنانية، تملك من المعطيات ما هو كاف لوضع اليد على الخطوط العريضة والرئيسية، بعيداً عن التهم المسبقة الصنع، والجاهزة للتداول الاعلامي.. وقد كانت الأسابيع الأخيرة، مليئة بالأنشطة المكثفة للكشف عن »الخلايا النائمة« لمجموعات إرهابية وتفكيكها وتعطيلها.. لكن أحداً من المعنيين لم يقل ان لبنان انتهى من هذه الخلايا، و»عفا الله عما مضى..«؟!
في قناعة عديدين، ان لبنان، كان ولايزال في صلب هذه الاهتمامات، لكن درجة التصعيد موقوفة على الحاجة والضغط من أجل تحقيق اغراض ما، وقد كان توقيف »الخلية الداعشية« في »خربة داوود« العكارية، لحظة بالغة الأهمية، وقد كشفت عن اسم مشغلها، الذي ينسق مع سائر الخلايا والقيادات، بعدما تلقت هذه الخلايا ضربات عدة في جرود عرسال وغيرها.
هناك عديدون، يرون، ان استهداف القطاع المصرفي في لبنان، على خطورته، ليس هو الوحيد.. بل يتعداه الى سائر القطاعات، خصوصاً مؤسسات الدولة التي تعيش حالاً غير مسبوقة من الفراغ والتفكك والشلل.. وقد أفصح رئيس الحكومة تمام سلام عن ذلك، على نحو غير مسبوق.. وإن كان يفضل عدم »قلب الطاولة« في وجه كل المعطلين والمستفيدين من هذا الواقع..
يعرف الرئيس سلام مدى قدرته، وهو الموصوف بالصبر وطول الاناة.. لكنه وفي الوقت عينه لا يجد نفسه قادراً على البقاء وحيداً، ميمم شطر وجهه نحو عين التينة حيث يفيض بالحديث عن معاناته أمام الرئيس نبيه بري، الذي لا يخالفه الرأي في قراءة المشهدية المأساوية التي يعبرها لبنان.. لكن من دون ان يقدم له العلاج الكافي، ويكتفي بالمهدئات..
المسألة في جوهرها، ذات ابعاد خارجية، دولية – اقليمية – عربية، وتالياً لبنانية.. ولبنان اعتاد هذا النمط من الانحناء أمام الخارج، وإن ولّد ذلك، كما هو حاصل هذه الأيام، نوعاً من المشادات الأخطر من المتاريس على أرض الواقع.. وقد وضع وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق جملة أسئلة وتساؤلات عن المقاصد الحقيقية من وراء التفجير، ولبنان لايزال ممسوكاً أمنياً بقرار خارجي.. خصوصاً وان التفجير الأخير، رسم جملة تساؤلات عن مقاصده.. ولا بد من التوقف عند جملة أسئلة بديهية يطرحها المراقبون السياسيون، تبدأ من الهدف الذي أراد المفجرون بلوغه، فهو هو توجيه أصابع الاتهام الى »حزب الله« في أكثر الظروف ملاءمة، نسبة لحرب المواقف التي يخوضها مع القطاع المصرفي والتي بلغت أوجها الاسبوع الفائت وتضييق الخناق عليه شعبيا، بعدما ضاق أميركيا عبر مصادره المالية، وعربياً وخليجياً بوسمه بالارهابي ومحليا برفض انخراطه في الحرب السورية، بحيث يزيد اتهامه بالتفجير نقطة سوداء الى سجله السياسي والأمني..«!.
على ان مصادر سياسية – عسكرية – أمنية بارزة، لفتت الى أنه من غير المستبعد ان يكون تفجير فردان رسالة بالغة الدلالة من قبل جهات معنية الى المؤسسة العسكرية التي باتت »هدفاً استراتيجياً« لدى »الجماعات الارهابية« والتي تعرضت وتتعرض بشكل يومي لضغوطات الجيش ودوره في كشف الشبكات الإرهابية، إضافة الى المواجهات اليومية على طول الحدود البرية من عرسال، الى عكار وجرودهما ومناطقهما الحدودية كما وفي الداخل اللبناني.