انقسم البلد عقب متفجّرة فردان، كما اعتاد أن يفعل، الى شطرين. شطرٌ يتّهم «حزب الله» علناً أو ضمناً بالوقوف وراءَ الاعتداء، وشطرٌ يدافع عن الحزب ويُبرّئه من التهمة. لكنّ المشكلة ليست محصورة في تبيان الحقائق، بقدر الخطورة التي تشكّلها الأزمة، بصرف النظر عمَّن يقف وراءَ التفجير.
تحوّلت متفجرة فردان التي استهدفت المقرّ الرئيس لمصرف «لبنان والمهجر» الى مادة جدلية على الساحتين السياسية والاقتصادية. وبصرف النظر عن خطورة التفجير، والتي لا يختلف اثنان على أنها تستهدف جميع اللبنانيين، ما دامت تستهدف القطاع المصرفي، أي أموالهم وأرزاقهم واقتصادهم الوطني، فإنّ النقاشات تمحورت حول نقطة وحيدة تقريباً: هل إنّ «حزب الله» يقف وراء المتفجرة في رسالة الى القطاع المصرفي لعدم التمادي في تطبيق القانون الأميركي المتعلّق بمنع تمويل الحزب، أم أنّ طابوراً خامساً دخل على الخط، وقرأ جيداً الأرضية المهيّأة والجاهزة ونفّذ هذا التفجير لكي يزيد في حجم الشرخ، ويعقّد المشكلة أكثر وينقلها الى مستوياتٍ متقدمة من الخطورة على الأمن الاقتصادي الوطني؟
في المواقف المُعلنة، من البديهي أنّ الأكثرية حاولت عدمَ توجيه الاتهام الى أيّ طرف في انتظار معرفة نتائج التحقيقات. لكنّ «تأثيرات» الشرخ بين «8 و14 آذار» ظهرت في هذه المواقف. «جماعة» 14 آذار تحاشت اتهامَ «حزب الله»، لكنها ذكّرت بالمشكلة القائمة بين الحزب والمصارف.
«جماعة» 8 آذار، اعتبرت أنّ التفجير يهدف الى إحداث فتنة، وأنّ «حزب الله» نفسه من أكبر المتضرّرين جراء التفجير. وترتكز هذه الأطراف في دفاعها عن براءة «حزب الله» على مبدأ أنّ الأمور أوضح من أن يُنفّذها الحزب، بمعنى أنّ الحزب أذكى من أن يقوم بعملٍ مماثل في هذه الأجواء التي ستقود حتماً الى اتهامه، حتى لو من دون دليل.
هذه النظرية فيها الكثير من الصحة، على اعتبار أنّ الخلاف العلني بين الحزب والمصارف، خصوصاً مع بعض المصارف وعلى رأسها بنك «لبنان والمهجر»، قد يحول دون إقدام الحزب على أيّ عملٍ عدائي، حتى لو رغب في ذلك.
لكن، في مقابل هذه النظرية، هناك اسئلة يطرحها مَن يؤمن بأنّ «حزب الله» مسؤولٌ عن التفجير، ويمكن تلخيصها بالآتي:
أولاً- لماذا قد يحرص الطابور الخامس، كائناً مَن كان، على تنفيذ هذا التفجير المُتقن في التوقيت والتوجيه بحيث يتمّ يوم الأحد حين لا يوجد أيّ موظف في المصرف، وفي ساعة الإفطار حيث الحركة شبه معدومة في الشارع، وتوضع المتفجرة في نقطة مدروسة لا تتسبّب بالأذى في الخارج،
ويتمّ توجيه عصفها الى داخل المبنى فقط؟
ثانياً- كيف يمكن تفسير النجاح في وضع هذه المتفجرة على رغم هذا الكم الكبير من الكاميرات المزروعة في المنطقة؟
ثالثاً- إذا لم تنجح التحقيقات في كشف هوية المعتدي، ألا يؤشّر ذلك الى استمرار الغموض في الجرائم التي يُتهم فيها فريقٌ محدّد منذ سنوات، في حين أنّ الجرائم التي ينفّذها المتطرّفون والجهات الأخرى تكشفها الأجهزة الأمنية، قبل أو بعد التنفيذ. وهذا ما حصل، على سبيل المثال مع التفجيرات الإرهابية التي استهدفت منطقة الضاحية الجنوبية.
رابعاً- أليس مستغرَباً أنّ جمعية المصارف نفسها التي حرصت على عدم توجيه الاتهام الى أيّ طرف، أشارت في بيانها الاستنكاري أمس، الى أنّ المصارف «تعمل ضمن القواعد السائدة في الأسواق الدولية كما تخضع في لبنان للقوانين اللبنانية المرعيّة ولتعاميم مصرف لبنان»، بما يؤشّر الى أنّ المصارف تُذكّر بأنها لا تستهدف أيّ طرف، وأنها تحت القانونين الدولي واللبناني؟
خامساً- لماذا تسرّبت معلوماتٌ أمنية وصل صداها الى سفارات غربية (سفارة كندا)، مفادها أنّ عملاً أمنياً قد يحصل في المربع الممتد من وسط بيروت الى شارع الحمراء؟
طبعاً الأسئلة على كثرتها لا تُغني عن الأجوبة غير المتوافرة بشكل قاطع، لكنّ الأسئلة في حدّ ذاتها تشكّل مساحة للتأمّل والتحليل والاستنتاج، ولو أنّ الوصول الى الحقائق مثل عدم الوصول، لن يُنقذ البلد في غياب القدرة والإرادة على المواجهة والإنقاذ.