Site icon IMLebanon

الكتاب والحرب… ومكر التاريخ!

يعود الحديث عن كتاب التاريخ في ذكرى الحرب، فنتذكر حروبنا ولا نعبر الى مستقبل خال منها. يتذكر اللبنانيون تاريخهم المثقل بالحروب والصراعات والإنقسامات، قبل نشوء دولة لبنان الكبير، الى الحرب الأهلية في 13 نيسان 1975. هي حروب استمرت وإن بأشكال مختلفة، لا ينجز معها كتاب تاريخ ولا يحسم منهجه، طالما أن الحرب ملتصقة بالمخيلة ومترسخة بالواقع، تحركها مصالح سياسية وارتباطات بين الداخل والخارج، فتهدأ تارة وتشتعل ثانية، ثم تحضر هدنة، وكأننا نعيش مكر التاريخ.

وبينما كان اللبنانيون يتذكرون 13 نيسان هذه السنة، ذكرنا وزير التربية بمنهج التاريخ وكتابه، قائلاً انه سيطرح قريباً جداً في مجلس الوزراء، بعد تعديلات أدخلت عليه بالاتفاق بين القوى السياسية. وكأن الحرب باتت وراءنا وقطعنا كل عناصر تجددها، وعاد المخفيون قسراً والمفقودون الى أهاليهم، واعترف من شارك بالحرب بجرائمه، لندخل عصر المسامحة. ومع أن شيئاً لم يحصل من ذلك، فاتنا أنه منذ اقرار اتفاق الطائف، لم تتفق الطبقة السياسية التي أدارت شؤون البلد، على كتاب موحد للتاريخ، فكان الخلاف بنيوياً وفي الرؤية بين السياسيين والطوائف، كما النظرة الى القضايا الكبرى المتصلة بلبنان أو المؤثرة به عربيا وعالمياً. ولم يستطع القائمون على الحياة اللبنانية والمعنيون في الشأن التربوي تنظيم الاختلاف والتوصل الى تسوية تسمح بقراءة لتاريخ لبنان قائمة على الشفافية والوضوح وتعكس الوقائع من دون تحوير على قاعدة الاعتراف بالآخر واحترام خصوصياته. ولم يكن ممكناً لدى الأكاديميين تخطي الصعوبات والضغوط لإنجاز كتاب موحد للتاريخ يعكس في الوقت عينه الاختلافات والخصوصيات ما بين اللبنانيين. وفي كتابة التاريخ، سنعلم أن كل مراحله تدور حول حروب اللبنانيين. ولعل ما أنجز آخر العام 2010، أيام وزير التربية السابق حسن منيمنة، عكس نوعاً من التسوية بين الافرقاء السياسيين، قبل ان تستفحل الأزمة السورية بتداعياتها على لبنان، فكان المنهج العام لكتاب التاريخ المدرسي الجديد في الحلقات الثلاث من التعليم الأساسي، حتى شهادة البريفيه، لكن الأمور لم تصل الى خواتيمها، ما يعني ان الخلافات التي استجدت بعدها والانقسام في البلد أعاد الامور الى نقطة الصفر. أما الصراع الطائفي فبقي في أوجه، في غياب رئيس الجمهورية وتعطل المؤسسات. لذا ليس ممكناً اليوم حسم منهج كتاب التاريخ، بالعناوين الخلافية المستمرة، طالما لم نستطع حتى انتخاب رئيس وعودة السلطات الى ممارسة مهماتها،فكيف نواجه تداعيات المحيط؟ وماذا عن التكاذب في التاريخ؟

واذا كان اللبنانيون يعرفون الكثير عن مجريات حروبهم الأهلية والتدخلات الاقليمية والدولية في شؤونهم، كل وفق موقعه ومنطقته وطائفته، فإن مكاشفتهم من خلال كتاب التاريخ بالوقائع والحوادث ومدلولاتها يفتح باب التسوية بينهم. ذلك اذا تسنى لهم تجاوز حروبهم والقطع معها!.