أخيراً، تذكّر الحاكمون، الكتاب.
والكتاب المقصود هو الدستور.
كان الرئيس فؤاد شهاب يتكئ على ذهنية سياسية واحدة، هي التسلح ب الدستور، أي يعود، عند كل مفاتحة له في شأن سياسي شائك ب الكتاب.
والرئيس شهاب حاذر العديد من الأزمات.
واقترب من الدستور، ليبعد عنه الجائعون الى التهام القانون، في معرض ذودهم عن مصالحهم، على حساب الوطن والنظام.
وهذا ما درج عليه طوال حقبات مرّت البلاد في رياحها، والاتجاهات التي أرخت أوزارها على البلاد.
من أجل هذا، أصبح الكتاب رمزاً، وذريعة لدحض الممعنين في اغتيال الدستور.
قبل الذهاب الى القمة العربية، في شرم الشيخ، حرص رئيس مجلس الوزراء، على فتح دار المصيطبة للناس.
وحرص تمام سلام أيضاً، على الوقوف بقلب مفتوح، على كل ما يريد المواطنون منه معالجته.
ظل واقفاً ساعات، تحت صورة والده صائب سلام، يصغي، يناقش، ويتلقف معظم ما أتى به الوافدون اليه، ليطلبوه منه.
كانت لفظة واحدة تطوف على لسانه: أنا في موقعي لتلبية ما يريده المواطنون، اذا كانت الطلبات محقة.
والحق سلطان لا شعار.
والمواطن محق في ما يطلب وما يحتاج اليه، وما يرغب في الحصول عليه.
… ولكن.
كان تمام سلام يستدرك: ولكن لا أحد يطلب مني ما هو فوق القانون.
ولستُ لأساعد على مخالفة القانون.
كان فريق عمله الى جانبه.
والغاية: تسجيل ما يحمله اليه المواطن.
إلاّ أن تمام سلام اضطر الى خلع الكنزة عنه، ليبقى جاهزاً لحمل ملاحظات المواطنين.
هو يصغي ويستوعب المطالب.
وفريق العمل يسجّل، لأن الذاكرة قد تخون وتحرن، وتسقط المطالب الملحّة في وهاد النسيان.
وهذه من صفات السياسي، التي حافظ عليها، نائباً عن بيروت، وقائداً سياسياً لبنانياً من قلب دار المصيطبة، دار علي سلام وصائب سلام.
والتاريخ يورد ذلك.
هكذا، كان يوم الأحد، في يوم عطلة، جعلها خليّة عمل وللاستماع الى الناس.
قبل قرابة نصف قرن، كان التباين بين المتمسّك ابداً ب الكتاب والمحافظ دائماً على مطالب الناس.
ومن فؤاد شهاب الى صائب سلام، ها هو تمام سلام لا يخرج عن العادات السياسية، وإن اختلفت أحياناً، لكنه لا يخرج أيضاً عن تقاليد بيت الناس.
والواقف على حقوق الدولة وعلى حاجات الناس يقول بقامته السامقة وارادته المنفتحة على الجميع، نريد فقط ان نكون في خدمة الدولة والناس.
انها الضريبة الصعبة في وقت تبدو فيه الدولة أضعف الجميع… والأقوى أيضاً.