جهد الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله الثلثاء الماضي وبانفعال ظاهر في محاولة إقناع مستمعيه بخيار التوجه شرقاً، في مواجهة عقوبات “قيصر” والأزمة المالية الاقتصادية التي تتحكم بالبلد، وسط تخبط الحكومة التي لا بدائل عنها في هذه الظروف، لكنه لم يستطع أن يكون مقنعاً للكثيرين حتى من المتعاطفين مع توجهاته.
وبصرف النظر عن التهديدات التي أطلقها ضد الأميركيين والداخل اللبناني، في الحرب الكلامية التي دارت بينه وبين الحملة الدعائية الأميركية، بمواكبة تطبيق قانون “قيصر”، فإنه يأخذ لبنان مسرحاً للصراع الأميركي الإيراني مع كل التداعيات السلبية لذلك على الأزمة المالية الاقتصادية الخانقة. لم يأتِ خيار التوجه شرقاً نحو الصين كي تبني معامل الكهرباء، والنفق من بيروت إلى البقاع، وسكة الحديد من الشمال إلى الجنوب، كخيار يساهم في التخفيف من حدة الأزمة الاقتصادية، بقدر ما كان لهدف سياسي، يتعلق بالمرحلة التي بلغتها تلك المواجهة سواء في لبنان أو في سوريا والمنطقة برمتها. السفارة الصينية التقطت الهدف وأوضحت بطريقة لبقة وديبلوماسية في البيان الذي أصدرته “استعدادها للتعاون العملي مع الجانب اللبناني، على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة، والعمل المشترك”، على قاعدة “الدور الرئيسي للشركات، والدور القيادي للسوق، والدور التحفيزي للحكومة والتشغيل التجاري”. البيان استبعد الخلفية السياسية بإشارته إلى “المنفعة المتبادلة”، وإلى “دور الشركات”، أي الخلفية الاقتصادية والمصلحية لجانبي التعاقد. فسياسة بكين الاستثمارية في العالم لا تقوم على المفاضلة السياسية. وهذا يعني أنها لا تريد، تحديداً في لبنان، إقحام نفسها في صراع إيران مع أميركا باسم مشاريع البنية التحتية.
دولة كبرى بهذا الحجم هي التي تقرر أين ومتى تقحم نفسها في صراع سياسي أو إقليمي، على رغم أنها متعاطفة مع المحور الإيراني السوري هي وروسيا في مجلس الأمن. وإذا كان هناك من مواجهة مع أميركا، فوفق أولياتها، بدءاً من بحر الصين الجنوبي، مروراً بشواطئ الباسيفيك، وبهونغ كونغ… ولو أرادت بكين، لبقيت في سوريا وواصلت تحضيرها لإعادة الإعمار، لكنها انكفأت بعدما تيقنت أن الصراع طويل وواشنطن لن تقبل بذلك في ظل حكم بشار. وانكفأ معها مشروعها لمحطة تسويق وتكنولوجيا في البقاع كمنصة لإعمار بلاد الشام.
وإذا كان الأمر يتعلق بمصالحها الاستثمارية، فإن العكس هو الذي حصل مع الصين في لبنان. رُفض عرضها بناء معامل الكهرباء قبل سنوات من قبل حليف “حزب الله” وزير الطاقة جبران باسيل، وعلى طريقة الـ BOT ( التي تعني البناء والتشغيل ثم تحويل الملكية بعد سنوات). لم تكن بكين وحدها التي جرى صدها، بل الكويت أيضاً التي أبدى أميرها الشيخ صباح الأحمد الصباح استعداد الصندوق الكويتي للتنمية (العام 2010 ) لتأهيل القطاع بأكمله. الأمثلة كثيرة عن غياب معيار “الدور التحفيزي للحكومة”. العام 2012 قدمت وزارة الأشغال والنقل (كان يتولاها الوزير غازي العريضي) خطة للنقل أبدت شركات صينية استعدادها لتنفيذها وتمويلها في كل المناطق، رُفضت بدورها.
ومن بين الذين رفضوا عرض الشركات الصينية تأهيل مطار القليعات قبل نحو 17 سنة، كان “حزب الله”. في تلك الحقبة لم يكن “الحزب” تصالح مع فكرة الـ”BOT”، كأحد أشكال الخصخصة، فيما كانت خلفية الرفض سياسية، لأن مطاراً في عكار لن يكون تحت السيطرة… هناك فارق كبير بين الـ”BOT” السياسي والاقتصادي.