IMLebanon

“القمقم”… من نيويورك!

تحلّى الرئيس تمّام سلام بالكثير من جرأة الصدق والواقعية وتجنب إغراق الرأي العام اللبناني بأوهام الكلام المعسول والايقاعات الديبلوماسية حين ختم أسبوع المشاركة اللبنانية في الدورة الـ٧٠ للأمم المتحدة في نيويورك بتقويم غلبت عليه مسحة قاتمة. بل يمكن من عاين الأسبوع الأممي، شاهداً ومتابعاً ومتقصياً كل ما يمكن أن يفيد لبنانياً خارجاً من قمقم أزماته الداخلية الى أكبر منتدى اممي ودولي سنوي، ان يستشف تعمّد رئيس الحكومة حجب جانب إيجابي برز في الكواليس واللقاءات يتصل بواقع الالتفاف الدولي عليه وعلى حكومته وتأكيد استمرار المظلة الدولية للاستقرار في لبنان، ليركز على الجانب المخيف من المقلب الدولي والاقليمي الذي بدا بمثابة رسالة مباشرة الى القوى السياسية اللبنانية علها تقلع عن العبث المقامر والقاتل بمصير البلاد.

ولا غرابة في ذلك ما دمنا عاينّا بأم العين في هذه المدينة الكونية، نيويورك، هذه السنة تحديداً مفارقات صارخة في التناقض تضرب بقوة على وتر النبض اللبناني وتحيله اكثر فأكثر الى ضياع. الزحف الشعبي غير المسبوق في استقبال البابا الساحر، الذي يبرز يقظة اختراق استثنائي ديني للمجتمع الأميركي، تستحضر معه زيارتي بابوين سابقين للبنان لينتهي امر المسيحية السياسية فيه الى فراغ رئاسي يتأهل لتحطيم رقم قياسي في انحلال الدولة. “اجتياح” مسألة اللاجئين السوريين المنابر والكواليس الأممية يشعرك كلبناني بأن قضية الوطن الصغير الذي يضم العدد الأكبر من اللاجئين يجب ان تشكل اولوية اولويات الأمم، فلا تحصد من ذلك سوى الاكتفاء بتعويض كلامي مع ترداد اسم لبنان في قائمة الدول الأكثر تضرراً وكفى. الصعود الناري للأزمة السورية على وقع “مبارزة الجبارين” أوباما وبوتين في صبيحة ذاك الاثنين على المنبر الأممي يأخذك الى مزيد من الرعب سواء كانت المبارزة إيذاناً بحرب باردة جديدة قد تلفح بشظاياها لبنان أم تمهيداً ليالطا القرن الحادي والعشرين وتقسيم المنطقة. الغلو الروسي في المعلن من الكلام كما في الكواليس عن دور القيصر الجديد في حماية الأقليات المسيحية في الشرق الأوسط وانتزاع هذا الدور التاريخي من فرنسا يجنح بك الى عصور الحمايات، وتجد نفسك ساخراً من أمم كبرى تتنافس على أدوار مزعومة اندثرت مع فلول وبقايا أقليات لم يعد المقيم منها في الشرق يناهز عدد سكان حي نيويوركي.

قبل سنتين تماماً كنا هنا شهوداً على ولادة مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان. هلل المجتمع الدولي آنذاك لـ”إعلان بعبدا”. سقط الإعلان وشغرت بعبدا وسحق تحييد لبنان أيما سحق. بالأمس تراءت لنا الأمم المتحدة أقرب الى بلدنا، تتعثر بالعجز أمام استباحة الشرق الأوسط وفوضاه، على الأقل ترضية لخاطر مكسور يرمق بخيبته العالم المتحضر حسداً!