IMLebanon

«عَروس الشلال» تقترع: «ما حَدا لَحدا»!

 

عاشت جزين تجربتها الانتخابية في ظلّ قانون الدوائر الـ15، النسبي- التفضيلي، المضبوط بالحاصل الانتخابي. وللمرة الأولى، خاض الجزينيون معركتهم بالشراكة مع صيدا، عاصمة الجنوب، ضمن دائرة واحدة لاختيار النواب الـ5 في الدائرة: سُنّيان عن صيدا ومارونيان وكاثوليكي عن جزين.

من خطّ كفرجرة،ـ لبعا- روم- حتى جزين، مروراً بقيتولي والحمصية وبكاسين وصبّاح وبتدين اللقش وحيطورة حتى كفرحونة، وببلدات حيداب وسنيّا وصيدون حتى وادي الليمون، ومن مليخ وسُجد وعرمتى حتى العيشية والجرمق، تقاطر الجزّينيون على أقلام الاقتراع الـ56 في القضاء، بهدوء، ومن دون شوائب تعكّر اليوم الانتخابي.

لم تكن هي الانتخابات النيابية الأولى في القضاء منذ 2009. فهو شهد انتخابات فرعية، في موازاة الانتخابات البلدية عام 2016، وأدّت إلى انتخاب النائب أمل أبو زيد خلفاً للنائب الراحل ميشال الحلو. وتميّز يوم أمس بالحماسة، نظراً إلى أهمية المعركة ورمزيّتها بالنسبة إلى الجميع.

هناك شبه توازن في عدد الناخبين بين جزين (59704) وصيدا (62678). لكنّ مستوى الإقبال في كل منهما قد يرجّح تأثير ناخبيها على الحاصل الانتخابي لكل من اللوائح الـ4 المتنافسة، وهي:

  • لائحة «التيار الوطني الحرّ»- «الجماعة الإسلامية»: أمل أبو زيد وزياد أسود (مارونيان) سليم الخوري (كاثوليكي) بسام حمود وعبد الرحمن البزري (سنّيان).
    • اللائحة التي يدعمها «الثنائي الشيعي» (غير مكتملة): إبراهيم عازار (ماروني) يوسف السكاف (كاثوليكي) أسامة سعد وعبد القادر البساط (سنّيان).
    • لائحة «المستقبل»: أمين رزق وأنجال الخوند (مارونيان) روبير الخوري (كاثوليكي) بهية الحريري وحسن شمس الدين (سنّيان)
    • لائحة «القوات» والكتائب و«المجتمع المدني» (غير مكتملة): جوزف نهرا (ماروني) عجاج حداد (كاثوليكي) سمير البزري (سنّي).
    ففي انتخابات 2009، كانت نسبة المقترعين في صيدا نحو 68%. وفي جزين، كانت قرابة 54%، وأما في الانتخابات الفرعية، فتدنّت إلى 46%.
    ولكن، يوم أمس، عملت اللوائح كلها على حشد الأنصار. فـ»التيار» أمام تحدّي مواجهة لائحتي «الثنائي» و»المستقبل». ولائحة «القوات» والكتائب تريد إثبات وجود فاعل لكل من الحزبين.
    وعلى رغم عدم وجود نائب شيعي في هذه الدائرة، فإنّ الناخبين الشيعة (نحو 19 ألفاً قد ينتخب منهم 11 ألفاً) يرجّحون الكفّة ويمكنهم المساهمة بفاعلية في تأمين الحاصل الانتخابي لأيّ مرشح جزيني. فيما راهنت الحريري على مشاركة كثيفة تؤثّر خصوصاً في ترجيح كفة مرشحها الكاثوليكي مقابل مرشح «التيار».

ملاحظات كثيرة تفيض بها انتخابات «عروس الشلال»، ومنها:
1 – ما أظهرته فئة الشباب عموماً، وفي البيئة المسيحية خصوصاً، هو غلبة المزاج الاعتراضي. وفي المبدأ، كان «المجتمع المدني» هو الأوفر حظاً في استيعاب هذا المزاج. لكنّ قوى السلطة تلقفت العنوان.
فـ«التيار» رفع شعاراً اعتراضياً هو «الجمهورية القوية» التي وعد بها الرئيس ميشال عون بعد انطلاق المجلس الجديد، إضافة إلى عنوان «رفع اليد عن جزين».
وكذلك تعتبر لائحة «القوات»- الكتائب نفسها رافضة لنهج الفساد ومنطق المحاصصة، خصوصاً أنّ الشريك الصيداوي في اللائحة سمير البزري مصنّف ضمن المجتمع المدني (حركة 11 آذار).
2 – لا تعبِّر الأرقام التي ستفرزها النتائج عن التوازنات السياسية الفعلية في جزين. فالكثير من الناخبين الداعمين لـ»القوات» أو الكتائب صوّتوا للوائح أخرى لأنهم لا يريدون أن تذهب أصواتهم سدى في لائحة قد لا تحقق الحاصل الانتخابي. كما أنّ القواعد «القواتية» والكتائبية في جزين ازدادت تشتّتاً ببعض الترشيحات، ولا سيما أمين إدمون رزق، على لائحة الحريري.
3 – في هذه الانتخابات، كانت البيئة الشيعية متضامنة بنحو شبه كامل مع خيار ابراهيم عازار. ولكن، هناك بيئات مسيحية أيضاً أعطته أصواتها.
فزعامة آل عازار تاريخية، ووالده النائب الراحل سمير عازار معروف بخدماته لأبناء المنطقة في ظروف صعبة. وهناك تقديرات بأنّ عازار أخذ خصوصاً من البيئات الجزّينية المستقلة ثم من بيئات 14 آذار. لكنه ربما لم يأخذ كثيراً من الكتلة العونية التي تمّ شدّ عصبها بقوة عشية الانتخابات ضد مرشّح يدعمه بري.
4 – كشفت النائب الحريري غداة تأليف لائحتها أنّ البيئة السنّية الصيداوية لم تستسغ التحالف مع «القوات». وهذا الأمر، مثير جداً لأنّ هذه البيئة كانت ستتقبل التحالف مع «التيار»، على رغم أنّ «القوات» و»المستقبل» شريكان في 14 آذار وفي الانفتاح على محور عربي واحد، فيما هناك تاريخ من العداوة والاتّهامات والتخوين بين التيارَين الأزرق والبرتقالي.
5 – إنّ تحالف «التيار» مع «الجماعة الإسلامية»، بقي مضربَ المثل في التحالفات الشاذة، إذ لا تحالف نافراً إلى هذا الحدّ في الدوائر الـ15 كلها. وهو أبرز النماذج التي تجدر دراستها لاستيلاد قانون الانتخاب المقبل.
6 – المعركة بين مرشحي «التيار» أبو زيد وأسود كانت هي المعركة الحقيقية بالنسبة إلى كل منهما. ففي ظلّ فوز كان مرجّحاً لابراهيم عازار، أصبح النزاع على المقعد الماروني الثاني محصوراً بأحدهما.
7 – المعركة بين اللوائح الـ3 التي تحوز الحاصل كادت أن تنحصر على الكاثوليكي الذي سيفوز بـ»الكسور». لكنّ مرشح «القوات» الكاثوليكي ربما يتفوّق على المرشحين الثلاثة بالأصوات، بسبب وجود قاعدة «قواتية» ناشطة، لكنه يسقط بسبب عدم تحقيق اللائحة للحاصل.
وهنا يظهر الخلل الفاضح في القانون. فالحاصل يضرب فلسفة النسبية لأنه يضحّي بلوائح كثيرة تعبّر عن شرائح لها الحق في التمثيل. ومنطق النسبية يقضي بأن تكون المقاعد النيابية ترجمة دقيقة لواقع التصويت الشعبي.
والحاصل الانتخابي باستبعاده مرشحين حصلوا على أرقام أكبر من منافسيهم في لوائح أخرى، يشكل خللاً في منطق الديموقراطية، بل هو يؤدي إلى إنعاش النظام الأكثري، نظام المحادل والبوسطات، ولكن مستتراً.

يقول أحد الجزّينيين «العتاق» في معايشة الانتخابات: هذه المرّة، وبسبب هذا القانون، تبيّن أنّ «ما حدا لحدا… وما حدا مع حدا. والكل يا ربّ نفسي».
فهذه الانتخابات قد ترسم خريطة توازنات لا مثيل لها في أيّ دائرة أخرى، لأنّ أركان الحكم الثلاثة يتجاذبون مقاعدها الثلاثة.