Site icon IMLebanon

مشروع الموازنة… ضرائب وعجز وقلق

مشروع الموازنة الذي قدمه وزير المال علي حسن خليل الى مجلس الوزراء، أثار القلق حيال الاوضاع التي بلغتها المالية العامة، بعدما تبين ان العجز يتفاقم، رغم التطورات الايجابية التي كان يُفترض ان تقلّص نسبة العجز. وقد ظهرت مؤشرات عدة، توحي بأن الوضع المالي أصبح في وضع حساس جدا.

في العام 2014، استجدت ثلاثة معطيات كان يُفترض أن تساهم في خفض العجز العام، وأن تدعم موازنة الدولة، وتضعها في مكان اكثر آمانا. هذه المعطيات هي التالية:

اولا – تراجع اسعار المشتقات النفطية الى مستويات كبيرة، بحيث أن الوِفر الذي تحقق للمالية العامة، بعد احتساب تراجع الايرادات الناتج عن انخفاض ارباح الـضريبة المضافة على البنزين، يصل الى حوالي 800 مليون دولار.

ثانيا – استمرار تراجع اسعار الفوائد خارجياً ومحلياً. وقد أظهر الاصدار الأخير لليوروبوند بقيمة تجاوزت الملياري دولار، ان الدولة لا تزال قادرة على خفض معدل اسعار الفوائد التي تدفعها على الدين العام، وهي بالتالي، قادرة على منع تفاقم حجم الفوائد السنوي على هذا الدين الذي سيبلغ حوالي 71 مليار دولار مع نهاية العام 2015.

ثالثا – الاجراءات التي اتخذتها وزارة المالية لجهة تحصيل الضرائب، ومنع التهرّب من دفع الرسوم. وهي اجراءات، وان كانت لا تزال في بداياتها، الا ان وزير المال نفسه يؤكد انها حسّنت الايرادات في مستوى معين، وهي يُفترض أن تحسّنها اكثر في العام 2015.

هذه العوامل الثلاثة، بالاضافة الى القناعة السائدة بضرورة التقشّف ومنع الهدر في هذه المرحلة الدقيقة، لم تمنع العجز المُقدّر في مشروع الموازنة للعام 2015، أن يتجاوز الخمسة مليارات دولار، وهو رقم مُقلق، ويؤكد هشاشة الوضع المالي في البلد. خصوصا ان العوامل الايجابية الثلاثة التي يُفترض ان تكون ساهمت في خفض العجز، مُعرّضة كلها للانتكاسة والتغيير.

بالاضافة الى كل ذلك، تمّ بناء حسابات الموازنة وتقديرات الايرادات على اساس ان النمو في العام 2015 سيبلغ 2.5 في المئة. وهذا الرقم ليس اجتهادا، بل يستند الى تقديرات صندوق النقد الدولي.

ومع ذلك، قد تكون النسبة الواردة مُبالغ فيها، لأن التطورات التي يشهدها الاقتصاد لا توحي بهذا التحسّن في النمو الاقتصادي، خصوصا اذا استمرت الاوضاع الاقليمية المستجدة، وعلى رأسها حرب اليمن بالضغط السلبي على المفاصل الاقتصادية. كما ان التداعيات السلبية تتراكم، ومن ضمنها مشكلة التصدير البري التي تشكل ضربة موجعة للتصدير الوطني.

الى ذلك، يوجّه مشروع الموازنة، الذي يتضمّن بنودا جديدة لزيادة الايرادات بذريعة تغطية نفقات سلسلة الرتب والرواتب، صفعة الى بعض القطاعات الاقتصادية، والى القدرة الشرائية للمواطن. اذ يقترح المشروع، سلسلة من الضرائب والرسوم الجديدة، قسمٌ منها سيكون على عاتق المؤسسات، وقسم آخر على عاتق الأفراد.

ومن اللافت ان التركيز في هذا المجال يتمّ على المصارف التي يقول القيّمون عليها انهم يشعرون بأنهم يتعرضون للعقاب لأن مؤسساتهم واقفة على رجليها ولا تزال تحقق الارباح، ولأنهم يعلنون بشفافية عن هذه الارباح، ويدفعون الضراب المتوجبة عليها، على عكس ما هو سائد في البلد بالنسبة الى معظم المؤسسات التي تحقق الارباح، وتخفي الأرقام عن وزارة المال.

في هذا السياق، يعيد القيّمون على المصارف التذكير بأن مؤسساتهم تدفع حوالي 37 في المئة من ارباحها ضرائب، وبالتالي فان هذا القطاع يعتبر ممولا اساسيا للمالية العامة، وهو يمدّ الخزينة بنسبة كبيرة من مجموع الضرائب التي يجري جمعها على الارباح من كل القطاعات الاقتصادية في البلد. كما تعمد المصارف الى زيادة رساميلها لكي تتمكّن من الاستمرار في إقراض الدولة. ولا بد من التذكير بأن قاعدة المساهمين في المصارف، تصل الى حوالي 10 آلاف مساهم.

في المقابل، سوف يتحمّل المواطن المزيد من الضرائب، بذريعة تمويل السلسلة. هذه الضرائب والرسوم تشمل قطاعات متعددة. لكن اللافت في الضرائب الجديدة المقترحة، تلك المتعلقة بفرض رسوم اضافية مرتبطة بالسير.

وكأنه لا يكفي الناس نظام «التشليح» الذي يعتمده قانون السير الجديد، والذي بدأت النقابات والمؤسسات الرسمية تختلف منذ الان على اقتسام غنائمه المتوقعة، لكي تُضاف الى عقوبات المخالفات رسوم جديدة على الميكانيك، وما شابه.

واذا كانت القناعة الشعبية السائدة ان قانون السير الجديد رفع سعر الرشوة، ليس إلا، فان القناعة الشعبية المرتبطة بالموازنة كما هي مقترحة اليوم، تفيد بأن الناس سوف يتحملون المزيد من الضغوطات الحياتية، وان الهدر واستمرار التدهور في المالية العامة هو نوع من القَدَر الذي يصعب تغييره على المدى المنظور.