تبدي جهات سياسية عديدة مخاوفها من استمرار الخلافات السياسية على الرغم من إقرار الموازنة، باعتبار أنها وفق المتابعين والمعلومات المتداولة، أقرّت في الجلسة الأخيرة في السراي على مضض، بعد أن كانت قد سبقتها اتصالات ومشاورات بعيدة عن الأضواء، وتحديداً على خط المقار الرئاسية، على خلفية أن عدم إقرارها سيؤدي إلى انفجار سياسي واقتصادي، وربطاً بهذه المخاوف والأجواء التي كانت سائدة، تم تمريرها بعدما انخفض منسوب التصعيد السياسي من قبل الوزير جبران باسيل الذي كان يتّجه إلى مواصلة الجلسات وفرض شروطه، إنما ثمة معلومات عن دور قام به رئيس الجمهورية ميشال عون، ما أدّى إلى حلحلة هذه المعضلة.
أما لماذا لا تزال المخاوف قائمة، تقول المصادر أن التوقعات من خلال المعطيات التي بحوزة كبار المسؤولين، تؤشّر إلى استمرار الإحتقان السياسي بين المكوّنات الحكومية، وهناك تباينات على أكثر من ملف، من شأنها أن تعيد الأمور إلى المربّع الأول في حال لم تحصل اتصالات قبيل جلسة قصر بعبدا المقبلة، والتي ستقرّ الموازنة، في ظل توقعات بأن تُمدّد الجلسات في حال لن يحصل إجماع في جلسة واحدة، وإن كانت المعلومات أيضاً تشير إلى أن رئيس الحكومة وبعض الوزراء سيغادرون لبنان في فترة عيد الفطر، مما يستدعي إنجاز الموازنة وإقرارها وإحالتها إلى المجلس النيابي قبيل عطلة العيد، إنما وبفعل المتابعات حول ما يحصل، فالأمور لا تشي بإيجابيات نظراً للهوّة الكبيرة داخل مجلس الوزراء وخارجه، إذ لوحظ، وبعكس ما توقّعه الكثيرون، أن رئيس الحكومة سعد الحريري ووزير المال علي حسن خليل لم يصرّحا بعد إنجاز الموازنة في السراي، لأن الأمور كانت غير واضحة المعالم، إذ ينقل عن بعض الوزراء، بأن ضغط الشارع هو من عجّل في إنجاز هذه الموازنة، خصوصاً بعد دخول نقابات وقوى أخرى على خط الإعتصامات والتظاهرات، لا سيما الأساتذة المتفرّغون في الجامعة اللبنانية، وذلك على أبواب الإمتحانات الرسمية والجامعية، إلى قضايا كثيرة أملت إلى الإسراع في الإنتهاء من الموازنة.
وفي غضون ذلك، وإزاء هذه الأجواء الضبابية، فإن مخاوف أخرى تقف في طريق الحلحلة السياسية والإقتصادية، وتتمثّل بالإستحقاقات المقبلة، والتي تتّسم بغالبيتها أو بمعظمها بالشأن الإقليمي، في ظل قرع طبول الحرب في المنطقة، والتوتّر السائد بين الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها والجمهورية الإسلامية الإيرانية، فإن المخاوف تبقى قائمة من تداعياتها على الداخل اللبناني، إضافة إلى الإستحقاق الآخر عبر انعقاد القمم العربية والخليجية والإسلامية في مكّة، وكيفية تخريج الموقف اللبناني في هذه القمة، لا سيما وأنها تصب في خانة شجب التدخل الإيراني في الدول العربية، ودعم الموقف الأميركي للعقوبات على إيران، ما يعني أن لبنان، والذي سيمثّله رئيس الحكومة سعد الحريري في هذه القمم، سيوازن في مواقفه، بحسب المعلومات المتوفرة، كي لا يحصل أي خلاف داخلي إضافي، ما يعني في المحصلة، أن كل هذه الإنعاكاسات سيكون لها تأثيرها على المسار السياسي الداخلي، والموازنة التي لا تزال حتى الآن عرضة للتجاذبات وعمليات التجميل لهذا البند وذاك، ذلك ما ستظهر نتائجه وبوادره في وقت ليس ببعيد، فإما أن تُقرّ هذه الموازنة في قصر بعبدا في الجلسة المقبلة وفي جلسة واحدة، وإلا يبقى الجدل البيزنطي مستمراً، ومن الطبيعي أن ذلك سيكون له تأثيراته ومفاعيله السلبية على مجمل الأوضاع السياسية والإقتصادية.