IMLebanon

تجميد الموازنة رئاسياً يخفي خلافات طائفية متراكمة

 

في الوقت الذي يُواجه لبنان مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعيّة بالجُملة، بدءا باستمرار تعثّر الجُهود الرامية الى حلّ قضيّة أحداث «قبرشمون» و«البستانين»، مع كل الارتدادات السلبيّة، لا سيّما لجهة عدم مُعاودة انعقاد جلسات مجلس الوزراء، وُصولاً إلى أزمة تراكم النفايات القديمة – الجديدة، من دون أي أفق لحلّ جذري لائق حتى اليوم، مع ما بينهما من مشاكل وخلافات، عاد الضوء ليُسلّط من جديد على مُوازنة العام 2019، بعد أن ظنّ اللبنانيّون لبُرهة أنّ ملفّ المُوازنة انتهى ولو بعد الكثير من الأخذ والرد وطول مُعاناة! فما الذي حصل؟

 

بحسب البيان الصادر عن المُديرية العامة لرئاسة الجُمهوريّة، فقد جاء فيه أنّه خلال دراسة دوائر الرئاسة المَعنيّة قانون مُوازنة العام 2019 والقوانين المُختلفة المُلحقة بها «تبيّن أنّ لغطا يُحيط بشأن إقرار المادة 80 من قانون المُوازنة، الأمر الذي يفرض جلاءه، علماً أنّ فخامة الرئيس يُدرك أهميّة إقرار ونشر المُوازنة وإنتظام الوضع المالي». وفي السياق عينه، ذكرت أوساط سياسيّة أنّ تجميد الرئيس المُوازنة مرحليًا بحسب ما يُجيزه القانون له لفترة زمنيّة مُحدّدة لا تتجاوز 40 يومًا من تاريخ تسلّمه أي قانون، يُخفي خلافات طائفيّة مُتراكمة، وهو جاء بعد اعتراض قيادة «التيّار الوطني الحُرّ» على عبارة وردت في نهاية المادة 80 تتحدّث عن حفظ حق الناجحين في مباريات مجلس الخدمة المدنيّة، وهي عبارة اضافتها «لجنة المال والمُوازنة النيابيّة»، بناء على طلب أغلبيّة نوّاب اللجنة، قبل أن يتدخّل كل من النائبين العضوين في تكتّل «لبنان القوي»، وهما رئيس لجنة المال النائب إبراهيم كنعان، والنائب سيزار أبي خليل، لدى رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي شخصيا، لشطب هذه العبارة من قانون المُوازنة، بعد إثارة الموضوع في الهيئة العامة. وأضافت الأوساط السياسيّة نفسها أنّ «التيّار الوطني الحُرّ» يقول إنّه نال مُوافقة الرئيس برّي على هذا الأمر، لذلك هو يستغرب استمرار ورود هذه العبارة في النسخة الرسميّة للمُوازنة، ويُصرّ على اعتبار ما حصل «خطأ ماديا وتقنيا يجب تصحيحه». وتابعت الأوساط السياسيّة نفسها أنّ رواية «حركة أمل» لما حصل مُختلفة تمامًا، حيث تنفي مُوافقة الرئيس برّي على شطب أي عبارة، وتؤكّد أنّ الاعتراضات على الفقرة المُضافة المشكو منها داخل المجلس كانت عابرة ومرحليّة، وهي خفتت بعد تصويت أغلبيّة نيابيّة عليها.

 

وأشارت الأوساط السياسيّة المُطلعة إلى أنّ «التيّار الوطني الحُرّ» الذي يُعارض بشدّة توظيف الناجحين في مباريات مجلس الخدمة المدنيّة، يُبرّر موقفه في مجالسه الخاصة، عبر التشكيك في عمليّات غشّ حصلت خلال الاختبارات، وعبر التنديد بلا توازن طائفي مُريب ومُستهجن في هذه الدورة ككل، حيث تقلّ نسبة الناجحين المسيحيّين عن 10 % من إجمالي الناجحين! وأضافت الأوساط أنّ «التيّار» ينطلق حاليًا أيضًا من نص قانوني يقضي باستبعاد أي ناجح في مجلس الخدمة المدنية عن التوظيف في حال مرور سنتين على نجاحه دون أن يُباشر العمل. وتابعت الأوساط السياسيّة نفسها أنّه في المقابل، ينطلق المُطالبون ببت موضوع الموظفين الناجحين بشكل إيجابي، من احترام الجميع لامتحانات مجلس الخدمة المدنية وإقرارهم بفعاليّتها وبنزاهتها، ومن نصّ المادة 95 من الدُستور الذي يحصر التوازن الطائفي في وظائف الفئة الأولى فقط. وأضافت أنّ المعارضين لتوجّه «التيّار الوطني الحُرّ» يؤكّدون أيضا أن إدراج مادة خاصة بالناجحين في مجلس الخدمة في نُصوص المُوازنة حفظ حقّهم تلقائيا، ومنع إسقاطه بمرور الزمن كما يُحاول البعض، وبخاصة أنّهم لم يلتحقوا بأي عمل لظروف قاهرة خارج عن إرادتهم!

 

ورأت الأوساط السياسيّة أنّ التمسّك باللعبة الطائفيّة والمذهبيّة في لبنان، بعيدا عن الدولة المدنيّة، أمر خطر جدا، كاشفة أنّ عدم إصدار مراسيم تعيين الناجحين في مباراة الكتّاب العدل، جاء أيضا بخلفيّة طائفيّة، اذ تبيّن وُجود نقص في عدد الناجحين من الطائفة الإسلاميّة، وتحديداً من المذهب السنّي، بحيث جرى تجميد الملفّ، على غرار ما حصل مع الناجحين في مجلس الخدمة المدنيّة، بغضّ النظر عن الجهة المُعرقلة في كل ملف!

 

وعن الحلول المُقترحة للخروج من المأزق، وبالتالي لعدم تأخير الإجراءات التنفيذيّة للمُوازنة، أكّد مصدر نيابي أنّها عرضة للدرس حاليا، لكنّ لكل اقتراح منها عراقيل تُواجهه! وأوضح أنّ اقتراح اعتبار ما ورد في الفقرة 80 خطأ ماديًا يجب تصحيحه، جوبه بأنّ القانون وُقعّ بعد التصويت عليه وإقراره من قبل مجلس النواب وفق الأصول، وبالتالي لا مجال للحديث عن أي خطأ وقع سهوا. وأضاف أنّه بالنسبة إلى اقتراح تأجيل هذه المسألة موضوع اللغط، إلى حين إقرار قانون مُوازنة العام 2020، لا يُمكن أن يتمّ من دون المُرور بآلية دُستوريّة طويلة، تستوجب مُوافقة أغلبيّة عدديّة في مجلسي الوزراء والنواب! وتابع المصدر النيابي أنّه بالنسبة إلى اقتراح اللجوء إلى قانون مُعجّل لتعديل المادة موضوع اللغط، فهو مُمكن نظريًا في حال تحريك الأمر من قبل عدد من النوّاب في هذا الاتجاه، لكنّ الوُصول إلى النتيجة المُبتغاة مُرتبط بمجلس النواب مُجتمعا. وأشار المصدر النيابي إلى أنّ الاقتراح الرابع القاضي بتأجيل المسألة الخلافيّة إلى مُوازنة العام 2020، ما دام أنّ الفقرة المشكو منها تحفظ حقّ الناجحين في اختبارات مجلس الخدمة المدنية بالتوظيف فقط، بحيث لا يسقط مع الوقت، من دون أن تبتّ أمر توظيفهم، مرفوض من قبل المُعترضين على المادة 80 لأنّها ستوجد واقعًا يصعب تغييره في المُستقبل، وسترفع من مُستوى الضغط للتوظيف بدون تحقيق التوازن الطائفي المَنشود.