دقّ ناقوس الخطر الاقتصادي لا يزال الوسيلة التي تستعملها الهيئات الاقتصادية على أبواب الاستحقاقات السياسية. هذه المرّة، انفردت جمعية تجار بيروت من بين هذه الهيئات للمطالبة بتوزير واحد منها. سوّقت للأمر استناداً إلى «وصفة تجارية» تنذر بقرب الانهيار الاقتصادي!
تحت عنوان «التداول حول خطورة الأوضاع التجارية، وإطلاق صرخة مدويّة عشيّة تشكيل الحكومة العتيدة»، عقدت جمعية تجار بيروت، أمس، اجتماعاً طارئاً وموسعاً شاركت فيه الجمعيات واللجان والأسواق والنقابات التجارية في لبنان في مقرها في الصنائع.
قدمّت الجمعية قراءتها للواقع التجاري الصعب وخلصت للمطالبة بضرورة توزير واحد من الهيئات. لم تسمّ أحداً وإنما تركت سياق الكلام مفتوحاً للتأويل. كان واضحاً أن الهدف هو المطالبة بتوزير رئيسها نقولا شمّاس. هو المرشح الأرثوذكسي الذي لم يتمكن من الدخول إلى الندوة النيابية على لائحة التيار الوطني الحرّ في الأشرفية. يُعزّز هذا التفسير عدم مشاركة رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت محمد شقير.
قال شمّاس في اختتام الاجتماع الطارئ، إن الوضع الاقتصادي «بات على حافة الانهيار». وصف القطاع بأنه «منكوب». لم يتردّد في الكشف عن تراجع معدل النشاط في الأسواق التجارية بنسبة تتراوح بين 20 في المئة و30 في المئة خلال النصف الأول من السنة الحالية وتبعاً للمناطق والقطاعات. يجزم شمّاس بأن القطاع التجاري «يلفظ أنفاسه الأخيرة»، وتوقع أن تشهد السنتان المقبلتان إقفال ما بين 20 في المئة إلى 25 في المئة من المؤسسات التجارية القائمة.
أسباب التراجع، كما رواها شمّاس، تكمن في إقرار سلسلة الرتب والرواتب، والإنفاق الانتخابي. فالسلسلة موّلت برزمة ضرائب ورسوم اعتبرها شمّاس «موجعة وأثقلت كاهل الأسر وقوّضت قدرتها الشرائية». ويضيف أنه لم يكن لها «أي تأثير ملموس (إيجابي) ولو طفيف على حركة الأسواق». نظرته لا تقتصر على ذلك، بل يعتقد أن السلسلة والضرائب الممولة لها والإنفاق الانتخابي «أدخلوا المالية العامة في نفقٍ مُظلم لا تستطيع البلاد الخـروج منه بالوسائل التقليدية».
يتغاضى شمّاس عن الكلام الذي قاله حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في ما خصّ أثر السلسلة على الطلب المتزايد على القروض السكنية. ما لم يقله هو أن الفئة المستفيدة من السلسلة زادت مداخيلها وارتفعت قدرتها الشرائية حتماً. يحاول تبرير هذا الأمر بوجود تضخم لا تفسير له. في الواقع إن التضخم المشار إليه ناتج من ارتفاع أسعار المحروقات العالمية وأثرها الواسع على فاتورة الاستيراد واستهلاك المحروقات في لبنان. لبنان يستورد مشتقات نفطية بأكثر من 6 مليارات دولار سنوياً. التضخّم لا يرتبط بالقدرة الشرائية فقط، بل هناك في المعادلات الرأسمالية ما يسمّى ثقة المستهلك والقلق من المستقبل. الأحداث في لبنان ومن حوله، سياسياً وأمنياً، تضغط على هذه الثقة فتؤدي مباشرة إلى تقليص المستهلك فاتورته الشهرية.
الهيئات الاقتصادية تحيل كل أزمات البلد على السلسلة والضرائب التي مولتها
يتحدّث شمّاس أيضاً عن ضغوط لتعديل قانون الإيجارات التجارية، وهو لا يغفل الإشارة إلى صعوبات يعانيها التجّار مع المصارف، مطالباً هذه الأخيرة بـ«مرونة وتمديد مهل السداد عند الحاجة».
يستعيد شمّاس نغمة اعتادت الهيئات تردادها. هي تطاع ولا تطيع. هذه المرّة يلطّف المعادلة بالإشارة إلى وجوب استشارة الهيئات وعدم استغابتها. المحفّزات حاضرة دائماً وأبرزها انخفاض هوامش الأرباح التجارية، والمنافسة غير المشروعة من النازحين السوريين… باختصار هناك ضربات متتالية تعرض لها القطاع التجاري على مدى السنوات الخمس الأخيرة. يحاول تعزيز موقفه بالإشارة إلى حصّة الاستهلاك من الناتج المحلي الإجمالي. الاستهلاك يمثّل 90 في المئة من الناتج وأي تراجع بنسبة 1 في المئة يعني تراجع في الناتج بقيمة 900 مليون دولار. فوق هذا كلّه، يضاف عدم قدوم السياح «الدسمين» من ذوي القدرات الشرائية المرتفعة، فيما قرّرت الإمارات وضع لبنان على اللائحة السوداء للدول التي تحذّر مواطنيها من زيارتها.
بين هذه المفاصل، يمرّر شمّاس برنامجه الوزاري بالإشارة إلى وجوب إعادة النظر بسلسلة الرتب والرواتب. سريعاً ينتقل نحو انتقاد المجلس الدستوري الذي ألغى مشروع التسويات الضريبية الذي ورد في مشروع موازنة 2018. يرى في قرار الدستور إمعاناً في تعذيب القطاع التجاري. هذه التسويات، برأيه ضرورية لإنقاذ القطاع والوضع الاقتصادي عموماً. لا يشكّل أي فرق بالنسبة له أن هناك مكلّفين دفعوا ضرائبهم في وقتها وبكامل قيمتها وأنهم متساوون مع سواهم أمام القانون.