Site icon IMLebanon

تصريحات بلينكن لا تشكل ضمانة لنجاح مؤتمر القاهرة

 

بعد الاختراق الذي حققه وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن في زيارته الاخيرة الى اسرائيل في جدار المأزق الذي وصلت اليه المفاوضات في الدوحة، حيث استطاع اقناع رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو بقبول المقترح الاميركي والمصري والقطري الصادر عنهم ببيان مشترك، والذي فشل في كسب تأييد الحكومة الاسرائيلية وحماس.

وعد الوسطاء الاميركي والمصري والقطري باستئناف المفاوضات هذا الاسبوع في القاهرة، وذلك بالرغم من التحفظات الاسرائيلية وموقف التشكيك الذي ابدته حماس بأن المقترح الاميركي الجديد يصب في مصلحة اسرائيل، وينقض الاتفاق الذي توصلت اليه المفاوضات في مطلع تموز الماضي.

 

وأكدت حماس رفضها يوم الاحد الماضي، متهمة نتنياهو بتقديم مطالب ووضع شروط جديدة بهدف افشال الوسطاء واطالة امد الحرب من خلال رفضه وقف دائم للنار والانسحاب الكامل من غزة، مع الاصرار على التمسك ببوابة رفح ومعبري نتساريم وفيلادلفيا، ويبدو بأن المقترح الجديد الى اجتماع القاهرة يمثل مخرجاً من خلال السماح لاسرائيل بالابقاء على تواجد عسكري محدود على ممر فيلادلفيا، والذي يبقى من المشكوك فيه من قبل حماس. كان بلينكن صريحاً وواضحاً عندما اجتمع بنتنياهو حين حذره بأن اجتماع القاهرة يشكل الفرصة الاخيرة لوقف النار وتبادل الرهائن، ويفتح الباب لخطوات مقبلة لمنع التصعيد والدفع نحو حرب اقليمية.

 

انطلاقاً من معلومات دبلوماسية من سفير اميركي سابق، يبدو بأن التوصل الى وقف دائم للنار سيكون متروكاً لمفاوضات لاحقة، كما يدعم الاميركيون تحفظات اسرائيل على اطلاق بعض الاسرى الكبار، ويوافقون على ترحيل بعضهم الى خارج الاراضي الفلسطينية، مع ترجيح دعم وجود السلطة الفلسطينية لادارة معبر رفح بين غزة ومصر. ويضيف السفير السابق بأن بلينكن كان جاداً في تحذيره نتنياهو من ان اجتماع القاهرة يشكل فعلياً الفرصة الاخيرة، بالاضافة الى وجود رأي راجح لدى الخارجية الاميركية بأنه اذا لم ينجح السفير السابق ومدير وكالة المخابرات المركزية ويليام بيرنز في انجاح المفاوضات الجارية وتحقيق وقف للنار، فإنه لن يكون في قدرة اي مفاوض آخر ان يقوم بذلك.

سيعمل بلينكن في محطتيه في القاهرة والدوحة، على اقناع الرئيس عبد الفتاح السيسي والامير تميم بن حمد آل ثاني لممارسة ضغوطهما على حماس لاقناعها بالمقترح الاميركي الجديد، وبأنها اذا رفضته فإنها ترتكب مخاطرة كبيرة، حيث سيستغل نتنياهو ذلك لمتابعة العمليات العسكرية في غزة، وفي حال لجوء ايران الى تصعيد الموقف العسكرية فإن الاسطول الاميركي جاهز للتدخل.

في رأينا انه كان من الطبيعي ان تتشدد حماس في موقفها في اجتماع الدوحة الخميس الماضي. وذلك لتدعيم موقعها في المفاوضات، ورداً على المواقف المتشددة التي ابداها نتنياهو. ودفع التشدد المتبادل من الطرفين عدداً من المراقبين الى اتهام الطرفين بعدم رغبتهما في التوصل لوقف لاطلاق النار، وذلك رغبة من كل منهما في تحقيق اهدافه الخاصة كخطوة اساسية على طريق تحقيق النصر الموعود.

منذ اغتيال اسرائيل لرئيس المكتب السياسي لحماس تشددت حماس في موقفها، حيث ذهبت للمطالبة بتنفيذ المقترحات التي قدمها الرئيس بايدن في ايار الماضي، معتبرة بأن كل مضمون المقترح الجديد يصب في مصلحة نتنياهو، وبأنه دعوة لحماس للتسليم بالشروط الاسرائيلية، وهي غير جاهزة للقبول بها مع ادراكها الكامل بأن نتنياهو مصمم على الاستمرار في مساعي التعطيل لنسف المفاوضات.

بات من الواضح بأن مواقف حماس منذ استشهاد اسماعيل هنية في طهران تتجه نحو المزيد من التشدد بدعم قوي من ايران، وذلك بالمطالبة بأن يكون هدف المفاوضات نحو انهاء الحرب، وليس فقط تحقيق وقف مؤقت للنار، وبالتالي تحقيق انسحاب اسرائيلي من القطاع وعودة جميع النازحين الى مدنهم، وخصوصاً في شمال القطاع، وبدء عملية اعادة الاعمار، وفك الحصار نهائياً عن القطاع.

لا يشكل اعلان بلينكن من اسرائيل بأن نتنياهو قد قبل المقترح الاميركي بالتوصل لاتفاق لوقف النار في غزة اي ضمانة لنجاح مفاوضات القاهرة بتحقيق ما يسعى اليه المتفاوضون، حيث ما زال من الممكن لأيٍّ من الطرفين اللجوء الى بعض التفاصيل في وقف النار او في اطلاق الرهائن والاسرى من اجل تعطيل كامل للعملية.

على صعيد آخر، تؤشر التحركات الميدانية على الارض بأن هناك نوايا تصعيدية من الجانبين تتمثل بتصعيد العمليات البرية والجوية في القطاع وعلى الجبهة الشمالية من قبل اسرائيل، وهي لا تخدم دون شك المباحثات في القاهرة. في المقابل شكلت «العملية الاستشهادية» التي نفذها مقاتل فلسطيني في تل ابيب، وتوعّد كل من حماس والجهاد الاسلامي بشن المزيد من عمليات التفجير داخل اسرائيل، مؤشراً لوجود نوايا فلسطينية للانتقام للمجازر التي ارتكبتها اسرائيل في القطاع وللاعتداءات الظالمة في الضفة الغربية، والتي اودت بحياة المئات من المدنيين.

وهنا لا بد من التساؤل عن مدى قدرة نتنياهو على الوفاء بوعده للوزير بلينكن، في ظل ادراكه الى مخاطر تسبب اي اتفاق باستقالة الوزراء المتطرفين وتطيير الحكومة. وهنا لا بد من السؤال عن امكانية تنازل نتنياهو في القاهرة ورفع منسوب التصعيد في لبنان، على غرار تكثيف الغارات في العمق اللبناني، والتي طالت عدة قرى ومنشآت لحزب الله في القطاع الشرقي، سيشكل هذا النهج العملاني دعوة لحزب الله وبدعم ايراني لشن هجمات صاروخية مؤثرة ضد بنى اساسية في عمق اسرائيل، بالرغم من ادراك الطرفين المتواجدين بأن مثل هذا التصعيد قد يؤدي في نهاية المطاف الى حرب مفتوحة.

في النهاية لا يمكن واقعياً تصوّر امكانية اقتناع ايران بدعم اي اتفاق لوقف النار، دون حصول اعتراف اميركي بضرورة مراعاة مصالحها الاقليمية، ودعوتها بالتالي للمشاركة في اية مفاوضات لتقرير مستقبل المنطقة ورسم خرائط جديدة لتوزيع النفوذ.