IMLebanon

المواجهة “الغامضة” حول “الإتفاق الهجين”

 

تتجّه الأنظار قبل ظهر اليوم إلى ساحة النجمة ليشهد اللبنانيون على فصل جديد من المواجهة المفتوحة بين المجلس النيابي ونقابات المهن الحرة وجمعيات حماية المودعين، بعدما كرّر رئيس مجلس النواب نبيه بري دعوته إلى أعضاء اللجان النيابية المشتركة لاستئناف البحث في مشروع قانون «الكابيتال كونترول» بعد فشلها في البتّ به الاربعاء الماضي، وهو ما شكّل خطوة استفزازية زادت من حجم المواجهة ومخاطرها. وعليه، تعدّدت السيناريوهات ومعها النتائج المنتظرة منها.

ليس منطقياً ان يُدعى المجلس النيابي إلى القيام بدوره التشريعي، في مرحلة دخلت فيه البلاد المحطات الاخيرة الفاصلة عن فتح صناديق الاقتراع لانتخاب مجلس نيابي جديد، وسط أجواء مليئة بتحدّيات تسببت بها الحملات الانتخابية التي استباحت المسموح وغير المسموح. وما زاد في الطين بلّة، انّ كل ما جرى ويجري قائم في ظلّ فقدان المعايير التي تقول بها اللعبة الديموقراطية والأصول الواجب اعتمادها. فضلاً عن عجز المعنيين المكلّفين رسم أطرها ووضع حدود لمنع تجاوزها عن القدرة بإدارتها، عدا عن الشكوك التي زرعتها تصرفات أوحت بوجود صيف وشتاء فوق سطح واحد.

 

ثمة من يعتقد انّ مثل هذه الأجواء «السوريالية» لم تكن قائمة يوماً في لبنان. وانّ حصر الموضوع بما هو نظري وأكاديمي سيبقى كما جاء في الكتب. وانّ الواقعية تدعو إلى وضعها على الرف. وإنّ إعادة النظر فيها مُهمّةٌ لم تعد مضنية. فالذين يخوضون المواجهة لم ولن يوفّروا وسيلة تؤمّن لهم الفوز بما يريدون على قاعدة انّ «الغايات تبرّر الوسائل»، فكيف بالنسبة الى البحث في قانون حساس ودقيق يتصل بآلية إدارة موجودات المصارف ومصرف لبنان من الاموال وخصوصاً الاجنبية منها، وتقييد السحوبات والتحويلات وطريقة القبول بها او رفضها، وفق ما قال به القانون المقدّم من الحكومة بالصيغة المعدّلة الهادفة الى إبراء ذمّة المصارف ومصرف لبنان من كل المخالفات المقدّرة، ولا سيما منها تلك التي ترتقي الى مرتبة الجرائم المالية التي ارتُكبت وأدّت إلى الانهيار الذي شهدنا فصولاً منه على أكثر من مستوى.

 

على هذه الخلفيات، تتخذ المواجهة المنتظرة اليوم في ساحة النجمة أهمية خاصة لا بدّ من التوقف عندها وقراءة خلفياتها والأسباب التي قادت إليها وما يمكن ان تؤدي اليه، وخصوصاً في حال تمكن المتظاهرون من سدّ الأبواب المؤدية الى المجلس النيابي ومنع النواب من عبورها، حيث حشدوا أقصى قدراتهم البشرية. وسيكون الوضع أسوأ، إن بقيت المواقف النيابية التي قادت الى تعطيل جلسة الأربعاء الماضي على ما هي عليه، وحالت دون البتّ بالقانون في الصيغة التي أرادها رئيس المجلس النيابي نبيه بري، قبل ان يوجّه دعوته الجديدة الى إتمامها اليوم. فهو عبّر بإصراره على تكرار هذه الدعوة، عن النية في إعطاء مشروع الحكومة الصفة التشريعية التي تسمح بالمصادقة عليه في جلسة تشريعية عامة ينوي الدعوة اليها قبل نهاية الشهر الجاري إن جرت الأمور كما يشتهيها. عدا عمّا ترجمته دعوته من حجم التكافل والتضامن الذي يجمعه مع كل من رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي منذ ان احتفلوا بالتفاهم الأولي الذي وقّع في قصر بعبدا مع صندوق النقد الدولي «على مستوى الموظفين».

 

وعليه، ليس ثابتاً انّ الأجواء المحيطة بالتحضيرات لاجتماع اليوم قد تكتمل في اتجاه البت بالقانون في ظل أجواء الترقّب والحذر التي تسيطر على الجميع. فأعضاء اللجان المشتركة الذين ربطوا مصير القانون العتيد بما يمكن ان تأتي به خطة النهوض التي تعدّها الحكومة وتحديد حجم الخسائر المالية وطريقة توزيعها، ما زالت تتحكّم بمواقف الكتل النيابية التي نسفت اجتماع الأربعاء الماضي، بمعزل عن المواقف السابقة منها. وانّ عودتهم اليوم عن هذه المواقف ستشكّل نكسة كبيرة لهم على الساحة الانتخابية. فما قاله رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان ومعه رئيس لجنة الادارة والعدل جورج عدوان ونواب «اللقاء الديموقراطي» في القانون المحال اليهم، لا يمكن التراجع عنه بسهولة وبكبسة زر متوقعة اليوم. وإن حصل ذلك سيشكّل أكبر فضيحة في تاريخ المجلس النيابي. فمعظم هؤلاء النواب ما زالوا على لائحة المرشحين الجدّيين للانتخابات النيابية المقبلة، وأي تغيير أساسي في مواقفهم سيُخضعهم إلى امتحان صعب وعسير قد يؤثر على الأحجام التي يسعون إليها في المجلس المقبل.

 

وإن تحقق الأمر رهن ما أراده بري، فإنّ ما هو مطلوب من الحكومة اكبر بكثير مما هو مطلوب من أي طرف آخر. فحديث رئيسها عن الحماية المتوافرة لأموال المودعين باتت محط شك كبير يبرّر أي ردّ فعل يمكن ان يقود اليه تصرّف المعترضين اليوم. فمجرد الإصرار – الذي كُشف عنه ما تسرّب من خطة التعافي- على شطب 60 مليار دولار من ديون الدولة والتي تشكّل الفجوة الكبرى في المالية العامة عند احتساب الخسائر، سيعطيهم حقاً لا نقاش فيه. وإن أضيفت اليها الآلية المقترحة لتوزيع الخسائر بطريقة غير عادلة تعفي الدولة ومصرف لبنان والمصارف من مسؤولياتهم المتدرجة لتلقي أعباء الخسائر على كاهل المودعين، سيعزز شعورهم بالقهر والغبن الذي لا سابق له. وبالطبع ستزداد المخاوف على مدخرات اللبنانيين وحسابات النقابات والمؤسسات والاشخاص إن بلغت الإصلاحات المنتظرة إعادة هيكلة المصارف، سواء تقرّر دمج بعضها ببعض، او إعلان افلاس أخرى منها، ما يؤدي الى غيابها القسري من السوق المصرفية.

 

وبناءً على ما تقدّم، يبدو للمراقبين انّ ما ستشهده ساحة النجمة اليوم، إن اكتملت التحضيرات على الشكل المنتظر لما هو متوقع في شكله ومضمونه، فإنّ فرزاً جديداً يمكن ان تنتهي اليه. فالبلد لم يعد يحتمل الغموض المحيط بالمفاوضات مع صندوق النقد الدولي، من باب حجم التعهدات التي قطعتها الحكومة ومدى قدرتها على تنفيذها، رغم معرفتها باستحالة القيام بمعظمها، ليس لسبب سوى أنّها ما زالت منقسمة على نفسها ومعها اركان المنظومة المتحكمة بإدارة شؤون الدولة ومواطنيها. وهو أمر سيدفع الى إعادة النظر في وقت قريب بقراءة الظروف التي ادّت الى «الإتفاق الهجين» الذي تمّ توقيعه مع وفد صندوق النقد «على مستوى الموظفين»، والذي تمّ «سلقه» سعياً الى إنجاز ما قبيل فتح صناديق الاقتراع، ولو كان وهمياً، لا يمكن ان يشكّل قاعدة للانطلاق الى اتفاقات أكثر أهمية وجدّية تقود البلاد على طريق التعافي والإنقاذ.

 

والأخطر مما هو متوقع من التطورات المرتقبة في الساعات والايام المقبلة، أن يثبت انّ المفاوضين اللبنانيين قد نجحوا في «تطويع» اعضاء وفد الصندوق و»لبننة» أعضائه، فاستدرجوهم الى الموقع الذي وضعوا أنفسهم فيه. وهي نظرية في حال ثبوتها يمكن ان تقلب الادوار بين اللبنانيين والوفود الأممية والدولية المكلّفة معالجة الازمة اللبنانية، الى درجة سيتحدث فيها العالم عن «التجربة اللبنانية» التي لم تعرفها اي أزمة اقليمية كانت أم دولية في العالم أجمع.