ماكرون سيتدخّل شخصيّاً بعد فترة الأعياد لتسهيل تشكيل «حكومة المهمّة» الإنقاذية
يتحدّث الكثيرون عن أنّ حكومة تصريف الأعمال الحالية ستبقى حتى نهاية عهد رئيس الجمهورية ميشال عون، كون القادة السياسيين لا يقومون حالياً سوى بـ «التشاطر» على بعضهم بعضاً في مسألة تأليف الحكومة الجديدة، ضاربين عرض الحائط معاناة اللبنانيين من الوضع الإقتصادي والنقدي المتردي والذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، ما يُهدّد بانفجار اجتماعي شعبي. غير أنّ مصادر سياسية واسعة الإطلاع أكّدت أنّ الإبقاء على الحكومة الحالية لسنة ونصف بعد من دون عقد جلسات واتخاذ قرارات من شأنه سوق البلاد ليس نحو المجهول فقط إنّما نحو جهنم بكلّ ما للكلمة من معنى.
ولعلّ أكثر ما يُعرقل تشكيل الحكومة منذ الطائف وحتى يومنا هذا، بحسب رأي المصادر، هو النظام الطائفي وتمترس كلّ طائفة وراء حقوقها وهواجسها وشارعها، فيما المطلوب تغيير هذا النظام، وهذا ما يُعوّل عليه في الفترة المقبلة. فإذا أراد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مساعدة لبنان بالفعل على تخطّي أزماته التي تتراكم أكثر فأكثر، عليه العمل على تسهيل تشكيل الحكومة الجديدة من دون الرهان على المتغيّرات التي ستحصل في الولايات المتحدة الأميركية وسواها وستنعكس على المنطقة ككلّ بما فيها لبنان.
وأكّدت المصادر، أنّ ما يُنقل عن الرئيس ماكرون أنّه لن يستسلم حتى يضع لبنان على السكّة الصحيحة، لكن لا يُمكنه فعل ذلك بالقوّة، إنّما بمساعدة المسؤولين السياسيين الذين يجد أنّهم يتقاعسون عن وعودهم ولا يلتزمون بتعهّداتهم، فضلاً عن أنّهم لا يتحمّلون المسؤولية ويتركون الأمور على حالها. والدليل أنّه سبق واقترح عليهم المبادرة الفرنسية وما نصّت عليه خارطة الطريق من خط سير للتعافي الإقتصادي كحلّ مبدئي للأزمات التي يُعاني منها البلد، إلا أنّهم حتى الآن لم يظهروا أي نيّة ملموسة للتعاون من أجل إنقاذ لبنان واللبنانيين.
وأوضحت المصادر، أنّ المبادرة لا تحمل شروطاً صعبة إذ قد تخلّت عن بعض المواضيع الخلافية أبرزها إجراء الإنتخابات النيابية المبكرة، كما تدرّجت من شرط الحكومة الجامعة الى حكومة الأكثرية وما الى ذلك بهدف تسهيل المضي في تحقيق بنودها. غير أنّ أهمّ بند فيها يبقى تشكيل الحكومة، أيّاً يكن نوعها، شرط اتفاق الأفرقاء السياسيين فيما بينهم عليها لكي يتمكّنوا من الإنطلاق في تطبيق هذه المبادرة، ولأنّ الخارج الذي ينوي مساعدة لبنان لا بدّ له من الحديث مع مرجع رسمي ولا يُمكنه القيام بذلك من دون وجود حكومة فعلية. فحكومة تصريف الأعمال مجتمعة قد تخلّت عن صلاحياتها، باستثناء العمل الفردي المشكور لبعض الوزراء وعلى رأسهم وزير الصحة حمد حسن، وهي لا تجتمع ولا تعقد أي جلسات طارئة منذ استقالتها، فيما كانت الحكومات السابقة تجتمع لإقرار الموازنات وما الى ذلك. أمّا الجمعيات والمنظّمات التي تحدث معها ماكرون وأوكلها مسألة إعانة المنكوبين من مرفأ بيروت، بدلاً من الحكومة، فلم تُظهر بغالبيتها الجديّة المطلوبة في العمل، ما يعني أنّ هذه الأخيرة لا يُمكنها أن تنوب عن حكومة تصريف الأعمال أو عن الحكومة المنتظرة.
ولأنّ الإنهيار السياسي ثمّ الإقتصادي من شأنه إيصال البلاد الى الإنهيار الأمني الداخلي، لا سيما بين اللبنانيين والنازحين السوريين خصوصاً بعد ما جرى في مخيّم بحنين المنية في شمال لبنان، ودعوة هؤلاء الى التسلّح لكي يحموا أنفسهم، على غرار ما حصل في المخيّمات الفلسطينية، شدّدت المصادر على أنّه من الضروري الإسراع في وضع حدّ لكلّ هذه الإنهيارات. وأول الخطوات الناجعة لوقف أي انهيار أمني محتمل هو تشكيل حكومة إنقاذية تتمكّن من الحصول على قروض ومساعدات «سيدر» الموعودة.
فالحاجة لتشكيل الحكومة هي أكثر من ضرورة ليتمكّن لبنان من الحصول على مؤازرة وتعاون المجتمع الدولي وكلّ من يريد المساعدة لحلّ أزماته. أمّا التعقيدات والتعارضات بين الفريقين اللذين يُشكّلان فلا بدّ من وضعها جانباً، لتسهيل ولادة «حكومة مهمّة» قادرة على تحقيق الإصلاحات المطلوبة قبل أن تخوض في استحقاقي الإنتخابات النيابية ومن ثمّ الإستحقاق الرئاسي.
وترى المصادر أنّ ماكرون لن يرضى بأن تبقى الأوضاع على حالها من المراوحة القاتلة على مختلف الصعد حتى نهاية عهد عون لأنّ هذا سيؤدّي الى كارثة إجتماعية خطرة. ولهذا فسوف يتدخّل شخصيّاً بعد فترة الأعياد من أجل تسهيل ولادة الحكومة، من خلال التقريب في وجهات النظر بين عون والرئيس المكلّف سعد الحريري.
وقالت المصادر «صحيح أنّ اللبنانيين اعتادوا تخطّي المحن والتكيّف مع الأزمات، إلاّ أنّ ما وصلت اليه الأوضاع في لبنان من انحدار وسوء لم يعد بإمكانهم الخروج منه لا سيما مع مصادرة المصارف لأموالهم التي ادّخروها طوال حياتهم، وسقوط القدرة الشرائية لليرة اللبنانية التي يجنونها شهرياً الى أدنى مستوياتها على مرّ التاريخ. ومعاناة الشعب هذه قد لمست الرئيس الفرنسي وتوقّف عندها مطوّلاً ووعد بوضع حدّ لها بمساعدة المسؤولين اللبنانيين.
ومن هنا، فإذا كان الحلّ بتغيير النظام، فلن يتوانى ماكرون، على ما لفتت المصادر، عن السعي الى وضع الأسس لمؤتمر تأسيسي تغييري أو لتعديل واسع لوثيقة الوفاق الوطني يتناول الثغر التي تُعرقل الإستحقاقات ولا تضع مواعيد محدّدة لها.