IMLebanon

الحال المسيحية بعد اتفاق معراب تختبر نفسها فهل بإمكان “ثلاثي السلطة” المضي في المواجهات؟

في كواليس سياسية عليمة في بيروت كلام فحواه ان رئيس مجلس النواب نبيه بري يوشك من خلال التصريحات والمواقف التي اطلقها في الايام القليلة الماضية حول مسألة جهاز امن الدولة وحدود صلاحيات كل من مديره العام ونائبه ان يبدد جهودا عمرها اكثر من عقدين ونصف عقد بذلها لكي يكسب ثقة المسيحيين عموما ويصير في نظرهم مرجعية وطنية فوق الحسابات الطائفية ، بل ليبدو في مراحل عدة نصيرهم وحامي حماهم.

فالرجل بدا غاضبا ومتوترا وهو يقارب هذا الموضوع في لحظة عبّرت فيها الشريحة الاكبر من المسيحيين عن رغبتها العارمة في استعادة ما يمكنها ان تستعيد مما فقدته من مواقع وصلاحيات في الدولة والحفاظ بشراسة على ما تبقى لها من مواقع وصلاحيات استناداً الى مقولة ان الظرف مؤات والفرصة سانحة.

ففي رأي اوساط مسيحية معنية ان الرئيس بري وقيادات اسلامية اخرى لم تقدّر بعد حدود ما آل اليه العقل السياسي المسيحي في الاونة الاخيرة ، وتحديدا بعد لقاء معراب والتفاهم التاريخي الذي تمخض عنه، اذ ان ثمة مرحلة جديدة مختلفة المعايير بعد هذا التفاهم بدأت رحلة ترسيخ نفسها وتكريس اسسها تحت عنوان عريض هو ان هناك فرصة تسنح للمرة الاولى منذ العمل باتفاق الطائف ، وان ثمة هجوما مضادا على اكثر من جبهة لاستعادة ما فُقد تحت وطأة التطورات القهرية بالنسبة اليهم والتي تداعت وتتالت عليهم منذ ذلك الاتفاق في مطلع عقد التسعينات وسلبتهم الكثير، ما اضطرهم بعدها الى المجاهرة بالشكوى المرة من التهميش والاقصاء.

ولاريب ان ما يعزز هذه الفرصة ومعها مزيد من الطموحات تطورات عدة محلية واقليمية قي مقدمها:

– ان “ثلاثي السلطة” الذي قيض له في ظل سني الوصاية السورية ان يقبض بقوة على مفاصل الدولة والادارة في البلاد هو حاليا في اضعف حالاته وقدراته على الفعل والتأثير الى درجة ان جهوده المشتركة والمكثفة للاتيان برئيس للجمهورية وجد ضالته المنشودة فيه لم تؤت ثمارها رغم انه من صلب قوى 8 اذار وان تسميته تعد تنازلا من فريق 14 اذار وتحديدا “تيار المستقبل”.

ويعزو البعض تراجع ادوار هذا الثلاثي الى عوامل وظروف متنوعة، فالرئيس بري وان ذهب بعيدا في “شطحات” سياسية تبدو متفردة، الا ان الجميع يعرف ان للامر حدودا وحدوده القصوى ان ثمة شركاء في الساحة عينها يتعين عليه ان يراعي حساباتهم الاستراتيجية.

اما زعيم “تيار المستقبل” الرئيس سعد الحريري فلم يعد صاحب الصولة الكبرى كما كان عليه وضعه بعد شباط 2005 ، اذ بعد اخراجه القسري المدوي من الحكم عام 2011 واختياره المنفى الطوعي وبعد اندلاع صراع المحاور في المنطقة ، ايقن ان فرصة ما بعد عام 2005 قد ضاعت وان عليه التعامل مع واقع مختلف ووقائع عنيدة.

واما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط فحساباته منذ احداث ايار عام 2008 اختلفت تماما وصار عليه ارضاء الجميع واشعارهم دوما بأنه ليس على ضفة الخصم منهم.

– ان “حزب الله” القوة التي مازالت في اوج صعودها اكد عمليا وعبر تجارب انه ليس في وارد التخلي اطلاقا عن الحليف المسيحي الذي ما تخلى عنه في اصعب الظروف بخلاف الاخرين، وانه (اي الحزب) غير عابىء بحسابات طائفية او مذهبية في سبيل ذلك ، خصوصا ان هذا الحليف امن له حماية وامتدادا.

– ان الواقع المسيحي نفسه اصابه التحول بعد اتفاق معراب فلم يعد كما كان عبارة عن قوى متصارعة الى حد التناحر يرتبط كل منها برهانات ومحاور داخلية واقليمية ، فذاك الاتفاق فعل فعلا زلزاليا في المزاج المسيحي الذي كان ينظر بحسد الى توحد التوجهات السياسية لطوائف اخرى ، خصوصا بعد سقوط رهانات على انه قصير المدى والنفَس ، فضلا عن ان هذا التفاهم هو في جوهره تفاهم القيادات والقوى غير التقليدية في الشارع المسيحي.

– التحولات والتغيرات العاصفة في الاقليم بعد التطورات التي تلت اشتعال فتيل الازمة في سوريا والتي انعشت مقولات مستجدة مثل “تحالف الاقليات” بفعل هجمة الارهاب السلفي وممارساته ذات الطبيعة الارهابية.

وبناء على كل هذه المعطيات لم يعد خافيا على دوائر التقصي والتحليل في قوى 8 اذار، وتحديدا “حزب الله” ان “التيار الوطني الحر” اجتاز في الاعوام العشرة الماضية معموديات نار شاقة في داخله وفي محيطه حوّلته تدريجا الى قوة من طبيعة حزبية ، وانه يقود هجوما سياسيا منسقا منذ فترة اظهر فيه من البراعة والحرفية بقدر ما احرج جبهة الخصوم وخصوصا “ثلاثي السلطة التقليدي”.

وفي سياق تصعيدي غير مسبوق اندفع “التيار البرتقالي” اخيرا في هجوم فاق كل الحدود من خلال فتح ابواب مواجهة “توطين النازحين السوريين” وما يشكل ذلك من مخاطر على هوية البلد الوطنية والديموغرافية.

وسواء كانت قضية جهاز امن الدولة الفارضة نفسها حاليا هي من اساسها من تدبير مدبّر ام من صنْع صانع ام انها رمية من غير رام ، الا انها أتت في مناخات ما بعد تفاهم معراب التي قوّت عصب الاعتراض واطلقت صوته . ولا ريب ان تجرؤ البعض على انتقاد السعودية قد انطوى على رسائل متعددة البعد عنوانها العريض ان ثمة قرارا لا هوادة فيه بالمضي قدما في الهجوم المضاد ، وان قدرة الاخرين على قمع هذا الهجوم باتت اضعف من اي وقت مضى ، وهذا ما يفرض على الجميع من دون استثناء اعادة النظر في مقاربة القضايا الخلافية مع المسيحيين خصوصا.