ما يشكو منه اللبنانيون يشكو منه الإيرانيون أكثر..
في لبنان شكوى بمرارة الصبر من الذي ما زال يجري ومن التردي الإقتصادي والأمني.
وفي إيران تراجُع مقلق على الصعيد الإقتصادي فيما البلد يعيش فوق بحيرات من النفط والغاز. ولكنهما التحزب الأعمى في لبنان والمبالغة الثورية في إيران التي تجعل تطلعات أهل القرار يوظفون خيرات البلاد في مشروع يظنونه خيراً ونراه كما يراه أهل الجمهورية الإسلامية في أكثرية أضناها الصبر على المكاره إقتطاعاً للرزق من طريق أصحاب الحق فيه، ونعني بهؤلاء الشعب الذي يرى أن الله سبحانه وتعالى خصه بهذه الثروة لكي يعيش آمناً مستقراً في بلد مزدهر، لا أن يتم توظيف هذه الثروة على أمور تتصل بطموحات دون ما يحتاجه البلد. ونرفق قولنا هذا بالتساؤل: ماذا سينتفع المواطن الإيراني من إنفاق أموال هو الأحق بها على أطياف في دول أُخرى تعود ممارساتها بالأذى على البلاد والعباد وتُلحق الكثير من العتب على مَن يحرِّض ويموِّل ويعتمد التدخل وبأي وسيلة غير مشروعة نهجاً سياسياً متشدداً له تَسبب بتخريب مؤسسات وإزهاق أرواح حرَّم الله قتْلها.
خمس عشرة سنة وهذا الدور غير الإيجابي تمارسه شرائح في الثورة الإيرانية. وكان المردود كوارث تتنقل من بلد إلى آخر. لعل هذا الذي إنتهى إليه أمر سوريا يشكِّل وقفة من التأمل العميق لدى أهل القرار الإيراني ويبدأ هؤلاء ما دام بدأ موضوع رفْع العقوبات بناء على طلب الرئيس باراك أوباما يوم السبت الماضي يشق طريقه نحو التنفيذ، إستبدال الدعْم بالمستشارين والمقاتلين من إيران والعراق ومن «حزب الله» في لبنان، والشروع في بناء ما تمّ تدميره بأيدي النظام البشَّاري وتوجيهات الجنرال المستشار الإيراني أو العكس لا فرق، وكذلك تسهيل إعادة الملايين التي نزحت أو هاجرت أو تمّ تهجيرها. وهذا يكون على وجه السرعة ومن دون التذرع بأن أي إعمار يقترن بالتسوية وأن أي تسوية لن تتم إلاَّ بالتوافق، وأن التوافق لن يحدث إلاَّ بالتهدئة، والتهدئة غير واردة قبل إنهاء ظاهرة «داعش».
وعندما نأمل من النظام الإيراني إتخاذ هذه الوقفة وإعادة النظر في خمس عشرة سنة من الأدوار التي حققت تعطيلاً لمصالح النّاس فضلاً عن التسيُّب بدمار نتيجة إحترابات أهلية وتعميق هوّة الخلاف مع الجار الخليجي وإنعدام الثقة بين الجانبيْن إلى درجة أن تصنيف وزير خارجية السعودية عادل الجبير لإيران «هي الآن دولة مقاتلة ومحتلة لأرض عربية»، وقوله أيضاً «إن السعودية ستتصدى لأي تحركات إيرانية بما في ذلك محاولات إرسالها متفجرات من نوع C4 إلى السعودية عبْر البحريْن…»، فلكي لا ينتقل الذي حدث في سوريا ويحدث في العراق وفي اليمن وفي لبنان إلى إيران نفسها، ذلك أن ما كان محظوراً الكلام فيه في زمن العقوبات والحظْر والعزلة القاسية لن يعود محظوراً بعد رفْع العقوبات تنفيذاً لمضامين الإتفاق النووي. كما أن المجاهرة بالإعتراض تصبح حقاً طبيعياً وغير محرَّم من جانب السلطة، وليس بالمستبعَد أن يولِّد الضغط الإنفجار. ومقابل الشدة من جانب السلطة لا بد يشتد الساعد من جانب الناس، ودليلنا على ذلك أن السلطات الأمنية أقامت جداراً حول مبنى البرلمان في طهران المسمى (مجلس الشورى) للحد من إحتجاجات شعبية أمامه وهو الأمر نفسه الذي يحدث منذ شهريْن في لبنان وكيف أن حركة الإحتجاج المشروعة قوبلت بإجراءات من بينها تطويق المداخل إلى مبنى البرلمان كي لا يصل إليه المحتجون.
لو كان الهدف هو مبنى سلطة غير مبنى البرلمان لربما جاز الإجراء الذي إتُخذ في لبنان وكان سبق إتخاذه في طهران، لكن الوصول إلى البرلمان حق مشروع للناس. كما من حقهم مشاركة أهل الحوار في جلسات حوارهم في لبنان وأهل الحلقات المحيطة بالحرس الثوري وبالمرشد نفسه في مناقشتهم في ما يفعلون وفي ما يقولون ولماذا لا يجوز التحاور مع منَ يمثل الرئيس أوباما «السارق والقاتل» على نحو التوصيف الثوري لرئيس أميركا التي يتوق شعب إيران إلى التطبيع الكامل معها ومع سائر دول أوروبا، ولماذا يرتضي المرشد نفسه القبول بالتفاوض بعدما كان حظَّر ذلك «لأن أميركا لم تجلب لإيران سوى المساوئ»، ولماذا، وهذا هو الأهم، تشييد جدار حول البرلمان للحد من إحتجاجات جماعات بينهم أستاذ الجامعة والشاب المتخرج من الجامعة لكن لا عمل له والمرأة المحظور عليها المطالبة بأبسط الحقوق والسياسي الممنوع من إبداء رأيه.
خلاصة القول إن خمس عشرة سنة من التجارب الثورية الإيرانية تكفي. وعندما يقول أحد النواب الخامنيْئي التوجه السائر على خط ولاية الفقيه مخاطباً الرمزيْن اللذيْن حققا الإتفاق النووي مع الدول الخمس + واحد وهما وزير الخارجية محمد جواد ظريف ورئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية علي أكبر صالحي «إننا سنقتلك يا صالحي ويا ظريف ونصبّ إسمنتاً على كل منكما إذا إستكمُل الإتفاق النووي»… إنه عندما يقول هذا النائب ما قاله ونرى العراك اللفظي الذي شهدتْه إحدى جلسات اللجان في البرلمان اللبناني ندرك كم أن مستوى الخشية من الذين يحتجون تجعل إقامة السواتر أمام المحتجين إسمنتية كانت أو أسلاكاً هي إقرار ضمني بحق المحتجين في أن يحتجوا… بل من حقهم أن ينزعوا عن النواب شرعية معنوية تمهيداً لنزْع الشرعية الدستورية في إنتخابات نزيهة كتلك التي حدثت في مصر على رغم فتور المرحلة الأولى منها وغياب «الإخوان» عنها علناً ومشاركتهم ربما خفية. والله الهادي إلى سواء السبيل.