إبراهيم الغزال في قبضة القضاء السويدي
القاتل إبراهيم الغزال والضحية زينة كنجو. اسمان تردّدا كثيراً في العامين المنصرمين. هي خُنقت بيديه، وهو يجول في العالم ممتهناً النصب والإحتيال والقتل والفرح والمرح. من بيروت إلى تركيا إلى جورجيا إلى سوريا إلى أرمينيا إلى… إلى أوروبا… إلى السويد. إلى أن علق في قبضة العدالة السويدية. هناك أوقفوه. فهل سيستردّه لبنان؟ ضحايا إبراهيم الغزال يملكون قسماً من الجواب.
إبراهيم الغزال ليس قاتلاً عادياً. وأن يكون القاتل غير عادي فهذا ليس معناه أنه خارق. لكن، إذا اعتقد هو نفسه أنه يمتلك قدرات خارقة فهي لا تعدو ما قاله نيتشه: عبوة ديناميت ترى في الشرّ إبداعاً. غريبٌ هو هذا المجرم الذي يختار ضحاياه وينقضّ عليهم ويهرب، كما في كلِ مرّة، كالغزال. فهل وقع الفأر هذه المرّة في المصيدة؟
المحامي أشرف الموسوي هو وكيل عائلة القتيلة – الجميلة زينة كنجو. فهل مسار العدالة – برأيه – سليم هذه المرّة؟ يجيب الموسوي “سبق وصدرت مذكرة التوقيف الغيابية عن قاضي التحقيق الأول شربل أبو سمرا وحوّلناها الى النيابة العامة التمييزية. في الموازاة، صدرت مذكرة انتربول دولية – أي ما يسمى النشرة الحمراء- وواضح أن المجرم خرج خلسة الى سوريا ومنها الى تركيا ثم الى أوروبا ووصل تحديداً الى السويد. ويبدو أنه قد حدث أمر ما في السويد دفع الأنتربول الى إيقافه. نحن- السلطات اللبنانية – أرسلنا كتاباً من خلال النائب العام التمييزي لاسترداده انطلاقاً من مبدأ المعاملة بالمثل، وباعتبار أنها المرة الأولى التي يصار فيها الى تسليم موقوفين بين دولة السويد والجمهورية اللبنانية. نحن في انتظار ردّ السلطات السويدية. قد نواجه على الأرجح بعض الصعوبة لأنه مطلوب بجريمة تصل عقوبتها الى الإعدام لذلك لا ندري ما إذا كانت السلطات السويدية ستتجاوب أم لا. حق التقدير يعود لها باعتبار أن عقوبة الإعدام في أوروبا غير موجودة، مع العلم أننا في لبنان علّقنا العمل بالمادة 549 التي تعاقب بالإعدام على القتل قصداً. ونحن حاليا بانتظار الردّ. في حال وافقت السلطات السويدية سيصل الى بيروت ويُحاكم أمام قاضي التحقيق الأول ويتحوّل الى محكمة الجنايات”. المحامي الموسوي يشرح لنا “مسار العدالة” من الناحية القانونية أما التطبيق فأمر آخر. علينا أن ننتظر تقدير السلطات السويدية. وعلينا، في الموازاة، أن نتوقّع لامبالاة من لبنان الغارق في أزمات حتى النخاع. وعلينا أن ننتبه الى أن القاتل “له ظهر”- بحسب المنطق اللبناني- وهو الذي دخل الى لبنان مرات بعد جريمته وعاد وغادره “معززاً مكرّماً”.
محتال دولي
فلنكن إيجابيين. والد زينة محمد إتصل بنا مراراً في عامين راجياً عدم السماح بنسيان قضية ابنته. الأردني وليد أبو عياش، السوري أبو أسامه، الأردني حازم إبراهيم… إتصلوا بنا في اليومين الماضيين ليسألوا: وماذا بعد؟ هل سيقبض لبنان على المجرم الغزال ويستعيدون حقوقهم؟ إبراهيم الغزال إحتال على هؤلاء- كما على سواهم- ونصب تعبهم وعرقهم ودولاراتهم.
فلنبدأ من الوالد المفجوع. أبو زينة، محمد كنجو، الذي سمع بخبر القبض على قاتل ابنته من المحامي الموسوي “أشرف أخبرني والموضوع أصبح بيد الدولة اللبنانية”. نسأله إذا كانت هناك حاسة ما، حاسة سادسة، في داخله تنبئه بأن القاتل- النصّاب سيدفع ثمن أفعاله قريباً؟ يجيب “أملنا بالله”. يختصر الوالد بجوابه ما يشعر به – وما نشعر به جميعاً- في كل مرّة يكون الكلام فيها عن “العدالة اللبنانية”.
الوالد محمد كانت تصله معلومات عن أن القاتل في لبنان، يسهر هنا، يشارك في مهرجان هناك، يسيح هنالك “لكن لا من يحاسب ولا من يحزنون”. إنه القهر المضاعف.
قبل عامين، بعد أقل من يومين على اقترافه جريمته والهرب، إتصلنا بالمجرم فرحّب بنا. ومنذ تلك اللحظة أيقنّا أننا أمام مجرم غير عادي. مجرم من العيار الثقيل. يقتل ويبرّر فعلته. هو قال لنا يومها “لم أقتلها. ساقبت. تشاجرنا وحاولتُ إقفال فمها وصار ما صار”. مجرم وملفّق وبارد وكأن الدنيا، على الرغم ممّا إقترف، بألف خير.
على نقيضه، على نقيض المجرم النصّاب، هناك أناس ما عادوا، منذ “أكلوا الضرب” منه، بخير. فها هو الأردني حازم يسأل حرفياً: “هل عرفتم ماذا حدث مع إبراهيم غزال؟”. بال حازم مشغول منذ نصب عليه ابراهيم، المجرم الذي لم يترك جنسية تعتب عليه. هو نصب عليه بمبلغ عشرين ألف دولار، كان قد جمعه بعرق جبينه وبتعبه، بعدما وعده أن يشاركه “بالحلال” بعمل تجاري مربح. قصّة طويلة خلاصتها أن حازماً “أكل الضرب”. فماذا في جديد متابعته القضية؟ يجيب “حاولتُ قدر الإمكان، مع مجموعة من الأشخاص الذين نصب عليهم إبراهيم، أن نتابعه، وسمعنا خبر توقيفه في السويد من وليد أبو عياش”.
من هو وليد أبو عياش؟ هو اتصل بنا،، بـ”نداء الوطن”، منذ أيام أيضاً طارحاً السؤال: “هل سمعتم بأن ابراهيم الغزال أصبح في قبضة القضاء السويدي؟”. هو كان شريكه ذات يوم، في جورجيا والشيشان وتركيا، لكنه أصبح اليوم إحدى ضحاياه. أخذ النصّاب – القاتل من شريكه السابق مبلغ 12 ألف دولار.
قدرة الإقناع
القاتل أوهم لبنانيين وعراقيين وأردنيين بأنه قادر على تأمين كلى لهم، وأوهم سوريين بأنه قادر أن يتدخل، بمساعدة “حزب الله”، على إخراج معتقلين سوريين وغير سوريين من السجون السورية. أبو أسامة، سوري معارض لنظام الأسد، يعيش حالياً في تركيا وقع هو أيضاً في مصيدة النصّاب. يخبرنا “سمعت أنه تم إيقافه في السويد. هو نصب عليّ بمبلغ 7000 دولار أميركي، مدعياً أنه قادر على إطلاق أقارب لي في أقبية السجون السورية. أخي محمد، مضى على توقيفه أكثر من عشرة أعوام وتهمته أنه أخي وأنا معارض. وآخر الأخبار التي وصلتني أنه موجود في سجن صيدنايا. صهري إبراهيم أيضاً مسجون في سوريا بالتهمة نفسها. أتى إبراهيم الغزال وأوهمني أنه على علاقة مع “حزب الله” وقادر على إطلاق أخي وصهري. صدّقته ودفعت له وهو استمرّ في النصب قائلاً لنا إنهما خرجا ويحتاج الى أموال لنقلهما في الباخرة. محتال نصّاب. كسر خاطر أطفال أخي وأختي”.
كل عائلة أبو أسامة حالياً خارج سوريا. بيوتهم هُدمت واستملكت إيران أراضيهم الواقعة الى جانب السفارة الإيرانية. والسؤال، هل إطمئن أبو أسامة حين عرف أن النصاب الدولي- اللبناني- أصبح في قبضة القضاء السويدي؟ هل يشعر بأن حقّه سيعود؟ يجيب “ليس لدي أوراق تثبت ما حصل والقانون لا يأخذ بالكلام وعوضي على الله”.
نعود الى حازم، الطيّب، الذي دفع الثمن أغلى من سواه مادياً لكنه يكرّر “خسارتي لا تضاهى عند مقارنتها مع خسارة حياة الشابة زينة كنجو”. هو أرسل مراراً- خلال الأشهر الماضية – رسائل بريدية الى النصّاب لكنه لم يجب عليها. ويوم عرفت أنه أوقف طلبوا مني، من لبنان، مبلغ 400 دولار لترجمة الأوراق وإرسالها الى السويد. لكني لا أملك مالاً. أليس ذلك من مسؤولية الدولة اللبنانية؟”. سؤال يعتبره حازم من المسائل البديهة يتبعه باستطراد: “لن أتكبّد خسارة فوق خسارتي. حتى لو دفعنا فماذا يضمن أن تقاضي الدولة اللبنانية إبراهيم؟”.
قصّة ابراهيم الغزال، قاتل زوجته الجميلة زينة كنجو، تابعناها على مدى عامين فهل وصلت الى خواتيمها؟
المتضررون أكثر من شعر الرأس. بعضهم تكلّم وبعضهم لا. وأغرب ما صادفناه في الموضوع هو يقين المتضرّرين، على اختلاف جنسياتهم، بأن القضاء اللبناني ضعيف وغير قادر على إعادة الحقوق الى أصحابها. في هذا الوقت كل شيء يسير لدى عائلة المجرم وكأن شيئاً لا ولم يحصل. ندقّ هاتف والد المجرم- الذي رفض سابقاً الكلام معنا- فنسمع جواباً: آلو أبو ابراهيم تاكسي. ويبقى الأهم، حتى إشعار آخر، أن إبراهيم الغزال في قبضة العدالة السويدية.