IMLebanon

وماذا بعد أن بات الوطن في صلب جهنم

 

«خير مداواة» للآثار المؤذية التي طاولت الوضع اللبناني المتوغل في الغوص إلى أقصى أعماق «جهنم» نتيجة للغُلوّ والتكرار في توجيه الإنتقادات والشتائم الحادة لبلدان الخليج العربي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية حيث اكتشف أركانها وروادها أن «خير علاج» لمجمل العلاقات اللبنانية مع محيطها العربي، يتمثل بمزيد من الإيغال في مسالك المخاصمة الحادة، تاركا لهذا العلاج السحري المتجدّد بتكراره بأعلى الأصوات، مجالا فسيحا لتحقيق جملة من الإستهدافات المؤسفة التي ما فتئت تنهش الوجود اللبناني في كل كيانه وركائزه ومؤسساته، دون أخذ بالإعتبار ، لجملة من الركائز التي قام عليها هذا البلد المنكوب، وفي طليعتها:

 

قيامه على ركائز ميثاقية تأخذ بالإعتبار تعدّدية فئاته وجهاته وطوائفه، وتأبى وتتجنب الغوص في استفراد السلطة في جهة واحدة وتوجهات مفروضة ومرفوضة كونها ذات منشأ خارجي، يتناقض مع ميثاقية الدستور اللبناني الذي حدد بكل وضوح، إنتماء لبنان إلى الإطار العربي دونما أخذٍ بأي اعتبار لوضعية لبنانية تمثل غالبية اللبنانيين، بتوجهاتهم نحو حكم ديمقراطي بعيد عن لغة الاستفراد والفرض وسيطرة قوة السلاح خارج نطاق قوى الجيش ومؤسسات الأمن الوطني بفصائلها المختلفة وتآلف وتوافق الفئات اللبنانية كافة على حدودها وسدودها الوطنية-الميثاقية، دون أن نغفل كون عروبة لبنان في أصلها وفصلها، تتآلف مع أصالته العربية المرتكزة إلى جملة من المصالح المشروعة التي لطالما انصبّت على معالجة خلافاته المحلية التقليدية والمتكررة على مدى تاريخه الطويل، فكانت محاولاتها ومعالجاتها الأخوية بردا وسلاما وعونا معنويا وماديا أنقذه من مزالق حادة لم تكن لتتحقق، لولا تلك الرعاية المستمرة التي لطالما أثمرت عن حلول لبثت طويلا في موقع الحماية والرعاية لوطننا وحاضرنا ومستقبلنا، من خلال توجهاتها الأخوية التي ما زلنا حتى هذه الايام الجهنمية الصعبة، نحتمي بدستورها الناشيء عن مؤتمرات ولقاءات عربية الطابع وفي طليعتها مؤتمر الطائف ومؤتمر الدوحة، وأجواء الرعاية المعنوية والمادية التي حمته طويلا من غدر الزمان وطغيان السلطات وتطاحن الخلافات المحلية التي قلبت أوضاعه رأسا على عقب معملة فيه يد الفساد والنهب والسرقة، خاصة منها، ما تطاول على أموال المودعين الذين غشّتهم ظواهر الأمور وتزوير الركائز الإقتصادية التي تآمرت على جنى أعمار الناس مقيمين ومغتربين، لبنانيين وعرب وأجانب، مما أطاح بكلّ ظاهر السلامة الإقتصادية اللبنانية، المرتكزة على الثقة التي لطالما كانت مغروسة في قناعات الناس، فانهارت بصورة تآمرية، تحولت إلى مخالب وحشية الطابع والمطامع، فطرحت بالناس أرضا وغوصا في أعماق «جهنم» وحولت الكثيرين منهم إلى طوابير تستجدي البقايا والفضلات من أموالها المنهوبة، والتي ضاعت مع ضياع الكيان اللبناني كله.

 

وعود إلى بدء: ها هي النتائج التي تعتمد المقارنة والموازنة، تبرز ما فعلته الظروف القاسية نتيجة لطغيان الخارج الإقليمي على استقرار الوضع المحلي. أين هي الأوضاع وسلامتها في كل من البلدان التي سبق للمدّ الإقليمي الذي بات يحكمها ويتحكّم بمصيرها؟ نتساءل: ما حصل وما يحصل في كل من سوريا والعراق واليمن وما هو حاصل لدينا في لبنان، فنتائجه واضحة للعيان ومصير أرضه وسلطاته الاصلية ومؤسساته وسلامة أوضاعه الحياتية والمصيرية باتت في مهب الرياح العاتية. من هنا… كل هذه المطالب والمواقف التي يطلقها اللبنانيون إتّقاء منهم لطغيان أوضاعهم الجهنمية الكاسحة، وكانت الحصيلة القاسية، توجيه همومهم واهتماماتهم إلى لقمة العيش بأدنى مستوياتها، وإلى سلامة حياتهم وحياة أبنائهم من مزيد من المصائب التي لم تترك فيها زاوية إلاّ وطمرتها المتاعب وأوضاع السوء المتفاقمة.

 

من هنا صيحات الإستغاثة وأهوال اللجوء إلى الهجرة، ومصاعب الإحتماء بأجواء العون الخارجي والتي ترفضها سلطات الأمر الواقع، والتي يمكن ان تقي المهاجرين من ظروف الحياة القاسية. لبنان الذي كان، لا يستأهل قطعا ما يحلّ به في هذه الأيام من صنوف الذل والهوان والكوارث المتلاحقة.

 

وها هو ذوبان العملة الوطنية يصل في فلتانه الجنوني، إلى حدود طاولت كل مواقع العيش الكريم التي يطمح اللبناني المظلوم بمصائب بلاده، العودة ولو إلى جزء بسيط من حجمها الذي كان، ولكن كلّ الدلائل توقع هذا الوطن المنكوب في إطار المؤامرة التي تتناول وجوده وكل ركائزه الحياتية، بكل ما نعانيه بأغلبيتنا الساحقة من صنوف التدهور إلى جهنم وبئس المصير بينما يتذكر العهد فجأة أنه في نهايات عامه الأخير في الحكم، حيث بات يسارع إلى محاولة معالجة شؤونه وشجونه في آخر أيام العدّ العكسي لانتهائه… متمترسا بالدعوة إلى مؤتمرات بدا واضحا انها ستكون محصورة بملاحق محددة ومعينة، مع طموح مزدوج ما زال قائما في تمديد أجل السلطة العهدوية في إطارها العائلي الطموح.