IMLebanon

وقف الأعمال العدائية تحوّل أو مجرد هدنة؟ الموقف السنّي الإقليمي يفاقم التعقيدات الروسية

على رغم الترويج الذي يسوقه الروس في شكل خاص، كما الاميركيون، للاتفاق حول وقف الأعمال العدائية في سوريا، والذي دخل حيز التنفيذ منتصف الليلة الماضية، يغلب الاقتناع العميق بأن الأعمال العسكرية لن تتوقف فعلا في ظل ثقة يلتقي عليها جميع المتابعين للشأن السوري والمعنيين به، بأن النظام، مدعوما من القصف الروسي والميليشيات الشيعية، سيحاول السيطرة على حلب على الأقل، كما على المناطق القريبة من الحدود مع الأردن. فبين تعليق المفاوضات التي فشلت بين فريقي النظام والمعارضة مطلع الشهر الجاري، والاتفاق الاميركي الروسي على وقف الأعمال العدائية، تمكن النظام بدعم من القصف الروسي من الحشد حول حلب. وليس واضحا بالنسبة الى المعنيين ما إذا كان دخول اتفاق وقف الاعمال العدائية سيشكل نقطة محورية في الحرب السورية أم لا، من دون تجاهل أهمية الاتفاق الروسي- الاميركي الذي وضعته روسيا بمثابة الاتفاق الذي حصل على تسليم النظام السوري اسلحته الكيميائية.

ثمة عوامل يقول خبراء إنها ضغطت من أجل توقيت الهدنة الحالية، بغض النظر عن إمكان صمودها، وهي لن تصمد انطلاقا من الثغرة التي تسمح لروسيا باستهداف من تعتبره تنظيمات إرهابية، وقد سمّت تنظيم “الدولة الاسلامية” و”النصرة” الى جانب تنظيمات أخرى كما قالت، الأمر الذي يمكن أن يفتح الباب على سعي روسيا الى استكمال مساعدة النظام على استعادة مناطق حيوية، في مقابل استهداف المعارضة والسعي الى إنهائها من دون قدرة لدى المعارضة للتذرع بالنقاط نفسها من أجل استئناف القتال. والعوامل التي فرضت الهدنة مبنية على واقع ان روسيا لا تملك القدرات العسكرية التي تسمح لها باستمرار الحرب، في ظل وضع صعب تواجهه في الداخل. ومن غير المستبعد بالنسبة الى خبراء امنيين أن تكون روسيا تحتاج فعلا الى فترة استراحة قبل أن تستأنف عملياتها العسكرية. هذا الاقتناع مبني على واقع أن وقف الأعمال العدائية وتثميره جديا في انطلاق المسار السياسي سينعكس سلبا على روسيا، إذ إن الخيارات ستغدو صعبة أمامها. فالاتفاق الموقت يمكن أن تفيد منه لإرساء مناخ من الشراكة بينها وبين الولايات المتحدة من أجل معالجة جملة مسائل أخرى يعتقد أنها هي الأساس في التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، وليست سوريا في ذاتها التي تبقى الساحة الأساسية، لكنها ليست الغاية النهائية. وهي تسعى الى الاستفادة من ذلك في ظل حاجة الولايات المتحدة لوقف الاعمال العدائية في سوريا. والواقع أن مأزق الخيارات الصعبة سببه الموقف السني الاقليمي، في حين أن مصلحة ايران والنظام هي عدم وقف الحرب في ظل الستاتيكو الحالي فقط، ولو انهما لم يحققا ما تحقق في الاشهر الاخيرة سوى بالدعم الروسي. كما أن سببه أن روسيا لا تستطيع أن تتخلى عن بشار الاسد في هذه اللحظة، لأن لا أثمان تأخذها من الولايات المتحدة لقاء ذلك، كما لا تستطيع روسيا انطلاقا من موقعها الحالي في سوريا ان تفاوض بشروطها على المسائل الخارجية التي تهمّها.

وهناك من يرى في المقابل أن المحاولة الاميركية الروسية جدية من أجل تحقيق أمر ما في سوريا، بناء على عناصر متعددة، على رغم الاقتناع بأن هذا الامر لن يكون نهائيا، إنما يمكن البناء عليه في مرحلة لاحقة. والى جانب الحاجة الى الاستراحة الروسية، فإن العامل التركي- السعودي المهدد بالتدخل برا في سوريا أدى دورا مهما في الضغط في اتجاه الولايات المتحدة، للضغط بدورها من اجل رسم حدود للحملة العسكرية الروسية فاجتياح روسيا المناطق السورية التابعة للمعارضة معتمدة سياسة الارض المحروقة الى درجة التهديد بالوصول الى الحدود التركية وإمكان اقتلاع التركمان، ساهم في إعطاء انطباع سعى بشار الاسد الى ترجمته عبر القول انه يسعى الى استعادة السيطرة على كل الاراضي السورية. والتهديد التركي السعودي بالتدخل البري حمل في طياته معلما إيجابيا تمثل في ترجمته غضبا سنيا عارما إزاء التهجير المنهجي للسنة من سوريا عبر الارض المحروقة، الى درجة إبداء الاستعداد للتدخل السعودي لمحاربة تنظيم “الدولة الاسلامية”، بما يعني عمليا ان المناطق التي ستستعيدها روسيا للنظام ستكون فارغة كليا بما فيها تلك التي يسيطر عليها “داعش”، خصوصا في ظل استعداد اميركي للهجوم على الموصل في العراق والرقة في سوريا لاستئصال “داعش” الذي يهرب عناصره الى ليبيا. في حين لا تقبل الدول السنية الاقليمية أن يشغل العلويون او الشيعة مناطق السنة في سوريا، إذا استطاعوا، نظرا الى قلة اعداد العلويين، ولذلك أبدت الدول السنية استعدادها لطرد “داعش” لقاء ألا تسمح بأن يسيطر العلويون أو الشيعة على هذه المناطق، بل يعاد السنة العرب اليها. وإزاء الرفض الاميركي لذلك، فإن الغضب التركي والسعودي تصاعد خصوصا في ظل رفض اميركي سابق للمناطق الآمنة او لحظر الطيران فوق مناطق سورية او لدعم المعارضة، مما يعني استباحة كاملة من روسيا وايران لمصالحهما المباشرة.

أصحاب هذا الرأي يقولون ان هذه النقطة الايجابية لمصلحة تركيا والسعودية في شكل خاص يجب استثمارها، علما أن التلويح بخيارات تهديدية نجحت في تحديد أهدافها هو ما يمكن ان يساعد في تغيير الوضع في لبنان وليس العكس.