IMLebanon

وقف الإرهاب في مصر مرتبط بنجاح التسوية في ليبيا

 

قبل أسبوع من مجزرة مسجد الروضة شمال صحراء سيناء، تلقى جهاز الأمن المصري تحذيراً من قيادة تنظيم “داعش” في منطقة بئر العبد، يطلب فيه منع الصوفيين من المشاركة في صلاة الجمعة.

ورأى موظف الأمن في هذا التحذير نوعاً من التحدي لسلطة الدولة، إضافة الى محاولة الإيحاء بأن القرارات المتعلقة بالشأن الديني لا تزال في عهدة “داعش”. لذلك، تعامل هذا الموظف مع الإنذار بتجاهل وعدم اكتراث من دون أن يقدّر مدى الكراهية التي يكنّها “الداعشيون” للصوفيين. وقد ظهرت هذه الكراهية في مناسبات مختلفة كانت أهمها عملية ذبح القطب الصوفي سليمان أبو حراز، الذي اتهمه التنظيم بالكفر وابتكار بدع يحرّمها الإسلام.

بالتعاون مع الدولة المصرية وتشجيعها، قرر المجلس الأعلى للطرق الصوفية إبقاء الاحتفالات التي يقيمها داخل مسجد الحسين في القاهرة، وفي مساجد المحافظات الأخرى. ولكنه في الوقت ذاته، قرر تجميد الموكب الصوفي حداداً على أرواح الشهداء. أي الموكب الذي يسير فيه آلاف الصوفيين مسافة كيلومتر واحد في شوارع القاهرة.

وكان من الطبيعي أن تساند وزارة الداخلية المصرية هذا القرار بغرض تطمين المواطنين في سيناء، خصوصاً عقب المذبحة المروعة التي حصدت 305 أشخاص وجرحت أكثر من 128.

ورأى المحللون في تلك الجريمة خروجاً على الخط الدموي السابق الي رسمه “داعش” في تركيز هجماته على قوات الأمن وكنائس الأقباط.

ويبدو أن الهزيمة التي مني بها التنظيم في العراق وسورية كانت المشجع على اقتراف جريمة انتقام بحجم جريمة مسجد الروضة. كل هذا بغرض إثبات وجوده الوحشي في سيناء.

وتدّعي الحكومة الإسرائيلية أن هذا الوجود كان قائماً في صحراء سيناء قبل إعلان تأسيس “دولة الخلافة”. وكان يتألف في معظمه من شبان البدو الذين يتقنون أساليب تهريب السلاح والمخدرات. وعلى رغم استنفار أربعين كتيبة مشاة وافقت إسرائيل على نشاطها، إضافة الى تزويدها بمعلومات يومية يتبرع بتقديمها سلاح الجو الإسرائيلي، إلا أن النقص يبقى طاغياً بسبب عدم وجود وحدات مختصة في مكافحة الإرهاب. أو بسبب تجاهل نصائح العسكريين الذين عانوا من حرب الإرهاب في شبه جزيرة سيناء.

مطلع هذا الأسبوع، قضت محكمة مصرية بالإعدام شنقاً على سبعة متهمين، والسجن المؤبد لعشرة آخرين، بسبب انتمائهم الى خلية إرهابية في محافظة مطروح تعرف في الصحف بخلية “داعش ليبيا.”

والى جانب الاعتداءات التي نفذتها عناصر تابعة لهذه الخلية، فإن النيابة العامة وجهت اليها أصابع الاتهام بسبب مشاركتها في ارتكاب جريمة ذبح 21 مواطناً مصرياً قبطياً من العاملين في ليبيا.

وكشفت التحقيقات أن المتهمين التحقوا بمعسكرات تدريب تابعة لتنظيم “داعش” في سورية وليبيا، وإن بينهم مَن انخرط في خلايا تعمل على نسف ظروف المصالحة والسلم الأهلي وكل ما يسعى المبعوث الأممي الى ليبيا، غسان سلامة، الى تحقيقه.

وحقيقة الأمر أن الأسئلة المتعلقة بنقل مئات العناصر التابعة لتنظيم “داعش” من سورية الى ليبيا، لم تجد الجواب الشافي بعد.

ومن هذه العملية المبهمة، تبرز أسئلة أخرى تتعلق بالدولة التي أمنت لهذه العناصر الطرق اللوجيستية بحيث إنها سهلت وصولهم الى شواطئ تركيا، قبل أن تنقلهم البواخر أو البوارج الحربية الى شواطئ ليبيا.

ومن هذا الوضع الغامض يطل سؤال آخر يتعلق بفشل برناردينو ليون، المبعوث الأممي السابق، في تقريب وجهات نظر المتنازعين على وراثة معمر القذافي. علماً أنه اقترح في نهاية ولايته ضم عناصر الإسلام السياسي الى حكومة وحدة وطنية. وفي ظنه أن هذا الحل ينمي سياسة الاعتدال لدى القوى المعارضة. ولكنه سرعان ما اكتشف أن عناصر الإسلام السياسي في ليبيا هم في الأصل من أتباع “الإخوان المسلمين” في مصر.

ويرى محللون أن الفوضى المستشرية في ليبيا مردها الى تدخل “الإخوان” في كل شاردة وواردة، الأمر الذي جعل من مقترحات غسان سلامة حلاً لا يمكن تنفيذه. والسبب أن التوصل الى تسوية تؤمن الاستقرار والاتفاق السياسي في ليبيا، سيؤثر حتماً في هدوء الأوضاع في صحراء سيناء ولدى الداخل المصري أيضاً. من هنا نرى أن الفوضى التي نشرتها الميليشيات المسلحة، إضافة الى فضيحة بيع العبيد، لا يمكن فهمها إلا من خلال تأثيرها في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي.

يوم الأربعاء الماضي، ألقى السيسي كلمة لمناسبة عيد المولد النبوي الشريف، أمام كبار المسؤولين المدنيين والعسكريين وقيادات الأزهر ومئات الأئمة، استهلها بالحادث الإرهابي الذي ارتكبه “داعش” في مسجد الروضة. وقال إنه حدد للجيش ثلاثة أشهر للقضاء على الإرهاب في صحراء سيناء. ثم استدرك ليقدم رؤيته حول مواجهة التطرف “بضرورة بناء الإنسان وتنوير العقول وتحصينها من خطر الأفكار الظلامية الهدّامة.” وفي تصوره: “إن عملية تنوير العقول وترسيخ المفاهيم الثقافية والاجتماعية اللازمة لحماية أبنائنا من الأفكار المتطرفة لا يمكن أن تقودها مؤسسة واحدة، أو حتى الدولة بمفردها. ولكنها تتطلب عملاً جماعياً تشترك فيه الدولة بمختلف مؤسساتها مع المجتمع بشتى مكوناته.”

ومثل هذه المعالجة الاجتماعية تحتاج الى تغيير مناهج المدارس وتعديل الخطاب السياسي بحيث يتماشى مع ظروف العصر. ذلك أن مؤسس جماعة “الإخوان المسلمين” حسن البنا (1906-1949) دعا في برنامجه الى التخلي الكامل عن كل أشكال التعليم، وطالب بإلحاق المدارس الابتدائية بالمساجد. كما طالب بأن يكون الموظفون من ذوي الإعداد الديني. وبما أنه امتهن التدريس، فقد انتشرت دعوته كالنار في الهشيم.

ثم ورثه تلميذه سيد قطب (1929-1966) الذي شدد على أهمية استخدام العنف وإحياء الجهاد من أجل تحقيق الغايات المرجوة. وهكذا طالب بسيطرة الدين على المجتمع والبشر، بعد نبذ كل المفاهيم الأخرى كالديموقراطية والسلطة المدنية والعلمنة وحكم الدولة.

وبلغ من شدة تعاطف الرأي العام مع ضحايا مسجد الروضة، أن تعرّض الأزهر للانتقاد بسبب رفض وكيله الدكتور عباس شومان تكفير “داعش”. ودافع شومان عن موقفه بالقول: “إن مسألة التكفير والحكم على الأشخاص مسألة علمية يمتنع عنها الأزهر لأنها تفتح أبواباً لا يمكن إغلاقها”.

ومع أنه وصف مرتكبي المجزرة بأنهم غير مسلمين، إلا أن ذلك لم يخفف من ضراوة التعليقات التي شنها رجال الإعلام في الصحف وعلى شاشات التلفزيون ضد الأزهر.

ويبدو أن هذه المسألة ليست جديدة على المصريين، بدليل ما حدث سنة 2014، خلال مؤتمر عالمي عُقِد من أجل مواجهة الأفكار المتطرفة. يومذاك، طالب الخطباء بأهمية إصدار فتاوى من الأزهر تدين العنف وتكفّر المرتكبين. ورفض يومذاك شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب التجاوب مع هذا الطلب، وقال إنه لا يستطيع تكفير أي إنسان على الإطلاق طالما نطق الشهادتين.

ويقول أحد طلاب الأزهر إن الدولة الفاطمية هي التي أسست هذا الصرح، واعتمدته لحفظ التراث الإسلامي. وبما أن هذا التراث المكتوب يضم مؤلفات كل الفقهاء بمن فيهم منظّر الجهاد عبدالله بن تيمية، لذلك من الصعب احتكار المعرفة في الأزهر، وحصرها في ينبوع واحد. ويقول هذا الطالب إن مكتبة الأزهر تشبه “الروبوت”- الإنسان الآلي- المبرمج على تنظيمات معينة. وكل المطلوب من الدولة المصرية هو إعادة البرمجة، إذ يصبح الأزهر حراً في التعبير عن موقفه أيضاً، لا عن موقف الفقهاء الذين تختزنهم مكتبته فقط!