IMLebanon

تحدي الحوار

غريب جداً امتناع بعض الأطراف عن المشاركة في حلقة الحوار التي دعا إليها الرئيس نبيه بري، والأغرب من هذا الامتناع التشاطر في وضع الشروط المسبقة على المشاركة في الحوار، وهي شروط يعرف أصحابها أنها تعجيزية ولا يمكن تلبيتها في هذا الوقت القياسي.

وكان الأحرى بالرافضين للحوار أن يعتذروا عن الحضور لانشغالهم بقضايا أخرى بدلاً من أن يروجوا للمقاطعة وينظّروا لها في ظروف يحتاج فيها اللبنانيون، أكثر من أي وقت مضى، إلى الحوار وإيجاد تفاهمات واقعية تقي البلاد خطر الانزلاق إلى حال الفوضى واليأس.

وأكثر من يحتاج إلى ممارسة فضيلة الحوار اليوم هم أهل النظام الذين يضربون المثل السيئ للبنانيين كلما حاولوا ممارسة السلطة من حيث هي عمل حضاري إيجابي يتطلب النزاهة والتجرد والسهر على المصالح العامة. وأكثر ما يخشاه المواطن، المتألم من رائحة النفايات وفساد السلطة وكساد الاقتصاد وتفاقم النهب، هو استمرار أهل النظام في التحاور الكاذب من خارج المؤسسات الدستورية، وتقاذف الاتهامات من غير طائل، والتنصل من المسؤوليات من غير خجل والتصرف وقت الأزمات وكأنهم أطراف في المعارضة لا شأن لهم بالحكومة التي يتمسكون بها كلما وجدوا مصلحة لهم بذلك، وينكرون أي صلة بها كلما اكتشفوا كلفة الغضبة الشعبية على توغلهم في قالب الجبنة.

لقد سئم الناس هذا الأسلوب الذي يتناوب عليه أطراف النظام ويستخدمونه وسيلة لتشتيت الأنظار عن «مآثرهم» في لحظة تفرض على الجميع الانتباه الفعلي إلى ما يجري في الداخل كما في المحيط من تطورات متفجرة لا يمكن إلا للحمقى تجاهلها أو التقليل من شأنها.

إن الحوار، في كل الأحوال، ممارسة ديموقراطية تذكِّر الأطراف الحاكمة بالمسؤولية الجماعية والفردية حيال الأزمات السياسية والأمنية والاجتماعية التي تنهش البلاد وتروِّع المواطنين وتؤذيهم وتنال من معنوياتهم وكراماتهم، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بعجز السلطات عن معالجة مشكلة النفايات التي تسمم الأجواء وتسيء إلى سمعة البلاد وأهلها، فضلاً عن بطر وتعالي العديد من المسؤولين الذين لا يتورعون عن تهميش المواطنين وإذلالهم إذا سعوا لإنجاز معاملة، أو طلب حق، أو رفع ضرر.

وإذا كان اللبنانيون قد فقدوا الثقة بأهل الحل والعقد ولا ينتظرون منهم الترياق، فإن ذلك يضاعف من مسؤولية المتحاورين لتحديد الخسائر وفتح كوة في جدار اليأس، والإفساح في المجال للانتقال السلمي من مرحلة الفوضى والعجز والنهب، التي تكاد تستوطن في الواقع كما في النفوس، إلى مرحلة البناء والمساءلة والقانون، مرحلة تتولى قيادتها أجيال جديدة نهضوية مقاومة عصرية، عبر عملية ديموقراطية لا يمكن لها أن تنطلق بدون قانون انتخاب جديد يلتزم النسبية والدائرة الانتخابية الموسعة.