IMLebanon

مرحلة تحدّي إثبات الأحجام

بغَضّ النظر عن الآراء المتناقضة في قانون الانتخاب الجديد، فمنذ لحظة إقراره دخلَ لبنان للمرّة الأولى في تاريخه المعاصر إلى قانون انتخابيّ نافذ يَعتمد النظامَ النسبي ستُجرى الانتخابات على أساسه بعد 11 شهراً، حتى ولو قال البعض «يَخلق الله ما لا تعلمون» من الآن وحتى أيار المقبل.

هناك حقيقة سياسية باتت قائمة في البلد، هي صيرورة البلاد للمرّة الأولى إلى انتخاباتٍ معروفٍ مسبَقاً القانونُ الذي ستُجرى على أساسه. فللمرّة الأولى، يقول سياسيون، يَدخل النظام النسبي الى الحياة السياسية الانتخابية كثقافة معتمدة. وبغضّ النظر عن تأخير التوصّل إليه ومحاولات تجويفه من الداخل، فإنّ البلاد ذاهبة إلى انتخابات على أساسه في أيار المقبل.

وفي رأي هؤلاء السياسيين الذين رافقوا مرحلة صوغِ القانون الانتخابي أنه سيترتّب عليه وقائع حاكمة تُظهر انّ هناك لعبة احجام جديدة ستَسود في البلد، صحيح انّ المحادل سَقطت، وأنّ الاكثريات ما زال حضورها قوياً في الواقع ولكن كلّ طرف مهما كان حجمه صغيراً باتت لديه القدرة على خوض التحدي، ما يَعني انّ البلاد ستشهد إعادة صياغة جديدة للاحجام، وهذا في حدّ ذاته تحدٍّ كبير.

على أنّ الامين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله كان الرافعة الأساسية لهذا الإنجاز، وأثبتَ مرّة أُخرى أنّه يشكّل قوّة دفعٍ خلف كلّ معطى كبير يَحصل في البلد، من الانتخابات الرئاسية الى تأليف الحكومة وتولّي الرئيس سعد الحريري رئاستَها، وإلى قانون الانتخاب الذي يُشكّل الذروة في هذا السياق، وتكمن اهمّية هذا القانون في أنّه لن تكون بعده عودة الى الوراء، ما يَجعل اللبنانيين يتفاءَلون في أنّهم امام فرصة صوغِ طبقة سياسية جديدة سيضطرّ العنصر القديم فيها إلى لبوس لباسٍ جديد الى جانب العنصر الجديد.

ومنذ لحظة انتهاء الجلسة النيابية التي أقرّت قانون الانتخاب، بات الجميع مشدودين الى اللحظة الانتخابية ولو انّها ستحلّ بعد 11 شهراً، إذ من الآن وصاعداً ستكون الانتخابات وقانونها في خلفية كلّ المواقف والتصرّفات، فمرحلة المناورات والتعرّجات والألاعيب قد انتهت، والجميع سيكونون في المرحلة المقبلة امام تحدّي إثبات الأحجام.

فما سُمّي «المحادل الكبرى» ستكون امام تحدّي إثبات قدرتها على البقاء. وفي الحد الأقصى ستتحوّل محادلَ صغرى، وفي الحد الأدنى ستكون امام لحظة انكشاف، وهذا معناه انّ البلاد مقبلة على شيء اسمُه «خلط أوراق».

وفي رأي سياسيين أنّ أكثر تيّارَين سيعانيان من هذا التحدّي هما الكتلتان الكبيرتان: «التيار الوطني الحر» وتيار «المستقبل»، ويأتي بعدهما الثنائي الشيعي الذي يُفترَض أنّ وضعه أكثرُ تماسكاً.

أمّا الاطراف الصغرى التي كانت مغيّبة في القوانين الانتخابية السابقة فباتت لديها فرصة للعودة الى الحياة. على انّ الأهمّ من كلّ هذا هو كيف ستكون لعبة التحالفات التي ستكون نسبة الخمسين في المئة الأُخرى في العملية الانتخابية الى جانب نسبة الخسمين في المئة الأولى التي يشكّلها قانون الانتخاب النسبي، فكِلا هاتين النسبتين هما المشروع لتقديم النموذج الجديد.

على أنّ «الصوت التفضيلي» الذي اعتُمد في قانون الانتخاب يشكّل ضربةً للنظام النسبي، ولكن سيكون على اللبنانيين ان يثبتوا أنّهم بتفاعلِهم مع النسبية سيكون هذا الصوت التفضيلي هو «حالة تصَحّر» موقّتة، ولا بدّ من أن يسقط لاحقاً أمام العَصف الذي سيُحدثه دخول النسبية الى الواقع الانتخابي.

وبعدما «راحت السَكرة وجاءت الفَكرة»، فمن الآن وصاعداً سيَجلس كلّ فريق سياسي مع نفسِه لإجراء جوجلة وإعادة ترتيب لبيته الداخلي والتكيّف مع الواقع الجديد على قاعدة الحدّ من الخسائر:

1ـ رئيس مجلس النواب نبيه بري استطاع في خلال 7 أشهر من عمر العهد أن يصمد ويقاتل، وأثبتَ انّ مجرّد التفكير في إلغائه هو مشروع غير واقعي.

2 ـ الرئيس سعد الحريري قد تتراجع كتلته الى نِصف عددها الحالي، لكن ذلك قد لا يمنعه من الوصول الى «غاية المنى» وهي عودته الى رئاسة الحكومة.

3 ـ «حزب الله» شكّلَ العلامة الفارقة وقوّةَ الدفع وراء كلّ ما يجري، فإصرار أمينِه العام ومثابرته هما ما أوصَل لبنانَ ذا السياسة المتبلّدة والعرجاء الى احتمال تطوير نظامِه السياسي. كما أنّ في إمكان الحزب ان يعتدّ ويؤكّد أنّه فتح باباً أو كوّةً صغيرة في جدار التخلّف السياسي الذي يعيشه البلد منذ ما قبل «اتفاق الطائف»، وهذه الكوّة تمثّل فرصة لإعادة إنتاج الحياة السياسية.

4 ـ الوزير جبران باسيل استعملَ الخطاب الطائفي والشعبوي و«البشيري» ولم يترك وسيلة إلّا واستخدمها لإقناع المسيحيين بأنّه يدافع عن حقوقهم، سيكون أمام تحدّي إثبات أنّه قادر على العودة الى خطاب وطني وإلى شعار «إصلاح وتغيير» يختلف عن النموذج الثنائي الذي يقدّمه مع البعض لـ «تقاسُم الجبنة».

4 ـ «القوات اللبنانية» يسجَّل لها أنّها تعاطت بواقعية شديدة وببراغماتية عالية، محيِّدةً نفسَها عن «الرائحة النتِنة» للسلطة، وترَكت شريكَها الأقوى مسيحياً أن يغرقَ وحيداً في كلّ ما تجنّبته، لا بل هي تحاول الاستفادة من هذا الواقع لمدّ الجسور مع الآخر.

5 ـ النائب وليد جنبلاط تمَّت الى حدّ كبير، وكالعادة، مراعاة خصوصيته في تقسيم الدوائر الانتخابية، ولكن إذا انخفض عدد اعضاء كتلته من 12 نائباً إلى 7 نواب، فلن يؤثّر على مسألة بقائه عنصراً صلباً في اللعبة السياسية.

6 ـ القوى والقيادات السياسية الصغرى، المستقلة وغير المستقلة، المسيحية والإسلامية، إذا أحسَنت تشكيلَ أدوات المعركة، ستكون قادرةً مرّة أخرى على إثبات قدرتها على البقاء والوجود وإسقاط اللغة الإلغائية التي حاولت إقصاءَها عن المسرح السياسي.

يبقى أنه في الوقت الذي تغرق المنطقة في أتون النار والتقسيم والفدرَلة، يتوصّل لبنان إلى قانون انتخابي نسبي، موجِّهاً بذلك إلى القاصي والداني رسالةً تُعبّر عن إرادة حياة وصمود أمام تحدّي ما يجري حوله.