IMLebanon

تحدّي تركيا أم حلف شمال الأطلسي؟

يخطئ من يعتقد أن موسكو لم تعرف سلفاً مصير مشروع القرار الذي وزعته على سائر أعضاء مجلس الأمن في نهاية الأسبوع الماضي. يرجح أنها أرادت أن توجه، على طريقتها، رسالة لا لبس فيها الى من يعنيهم الأمر. تسعى الى إحباط خطط تركيا للتدخل البري في شمال سوريا. الديبلوماسية واحدة من الأدوات التي يمكن أن تلجم الخيارات العسكرية.

تنطلق التحذيرات الأخيرة للرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند من مخاوف جديّة لدى الدول الغربية. أي مواجهة بين روسيا وتركيا – وبينهما ما صنع الحدّاد – يمكن أن تخرج عن السيطرة.

ماذا يمكن أن يعني ذلك لحلف شمال الأطلسي؟ يمكن فقط تخيّل معنى التصريحات لمسؤولي الحلف عن عدم استعدادهم للتورط، حتى لو كانت تركيا عضواً رئيسياً فيه. يتخذ الرئيس فلاديمير بوتين هذه الخطوات وأمامه هذا التحدي. يدرك معناه أيضاً نظيره التركي رجب طيب أردوغان.

أيقظت الحرب السورية أشباح الماضي الكئيب بين روسيا وتركيا. لعنات من التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا. خاضا أكثر من عشر حروب منذ القرن السابع عشر. يشاع أن عظمة روسيا لا تكتمل من دون منفذ الى المياه الدافئة على البحرين الأسود والأبيض المتوسط. تقيم تركيا على هاتين الضفتين الحيويتين. خلال تلك النزاعات القديمة، بسطت الإمبراطورية الروسية سيطرتها على جمهوريات اللغة التركية والهوى التركي في القوقاز وآسيا الوسطى، وعلى أرمينيا وما لها من تاريخ مع وريثة السلطنة العثمانية.

هذه العوامل، فضلاً عن مضاعفات الحرب الباردة، كان لها دور حاسم في انضمام تركيا الى الحلف الغربي في مواجهة المنظومة الإشتراكية بقيادة الإتحاد السوفياتي. لا يخفي زعيم الكرملين قلقه من اقتراب الحلف أكثر من أي وقت من أبواب روسيا. قرر منذ سنوات ألا يبقى مكتوفاً حيال تمدد الحلف شرقاً، وحيال نشر الولايات المتحدة نظام الدفاع الصاروخي، وحيال التغييرات في أوكرانيا، وأخيراً حيال تداعيات أي انهيار لنظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.

ليس واضحاً ما إذا كانت موسكو وأنقرة تحاولان فعلاً عدم الإنزلاق الى نزاع جديد. غير أن الأمر لا يحتمل أخطاء في الحسابات. سوريا الآن ليست حرباً مأسوية فحسب، بل ربما صارت الشرارة التي يمكن أن تشعل حرباً أوسع نطاقاً لا طاقة لأحد في المنطقة على تحمل تكاليفها الباهظة.

قلب التدخل العسكري الروسي ميزان الحرب في سوريا رأساً على عقب. لكن الدوامة السوداء لم تنته، ولن تنتهي، في ظل مخاوف جديّة من اتساع نطاق هذه الحرب. سوريا تواجه منعطفاً حاسماً خلال الأسابيع المقبلة.

الديبلوماسية تجهد لإبعادِها عن نفق مظلم جديد.