قد تغدو الجلسة الخامسة والثلاثين لانتخاب رئيس الجمهورية في الثامن من شباط المقبل، من أكثر جلسات الانتخاب الرئاسية، تحدياً للقوى السياسية المتصارعة على ملعب الرئاسة اللبنانية منذ حلول الفراغ، بانتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، وانسداد أفق الاستحقاقات الدستورية على مختلف الصعد التشريعية والتنفيذية.
التحدي مع الذات، ومع الحلفاء قبل الخصوم، في ظلّ الانطباعات المتعاكسة حيال الخطوة الصادمة للقوات اللبنانية باتجاه التيار الوطني، الصادمة بالمعنى الايجابي لا التدميري، ففريق الثامن من آذار انقسم في تفسير هذه الخطوة باتجاهين: اتجاه يرى انها خطوة توحيدية للصف المسيحي بادر بها الدكتور سمير جعجع، للتأكيد بأن الخلافات المارونية ليست المانع الحقيقي لانتخاب رئيس الجمهورية، ودليله توافق أقوى قوتين في هذا الصف.
واتجاه آخر فضّل البقاء في حالة الحذر من أن يكون في نيّة المبادرة الجعجعية شقّ الصف الماروني داخل الثامن من آذار، وهو ما بدا حاصلا في ما بين العماد عون ومنافسه الجديد، النائب سليمان فرنجيه.
أما فريق ١٤ آذار، فقد أعطى أكثر من تفسير لخطوة القوات، من الرغبة في المصالحة الى الخروج من دوامة الفراغ الرئاسي، المنهك للدولة ومؤسساتها، ولو على حساب بعض القناعات، وبيت القصيد في هذه الملحمة السياسية، الاظهار للناس في الداخل والخارج، من المعرقل الحقيقي لانتخاب الرئيس، وبالتالي تمكين العماد ميشال عون بالذات من وضع إصبعه على الجرح…
وفي اطلالته التلفزيونية مساء الأربعاء عبر شاشة الإم. تي. في تحدث جعجع بالتفصيل ليصل الى الخلاصة التي يراها، وهي انه اذا كان حزب الله جدّياً في دعم العماد عون للرئاسة، يستطيع الجنرال ان يصبح رئيساً اليوم قبل الغد، بحساب الأوراق البيضاء التي حصل عليها في أول جولة انتخابية ٥٧ صوتاً مضافاً اليها أصوات النواب القواتيين الثمانية، مع بضعة أصوات من هنا وهناك، فيطبق إدريس…
وبمعزل عن دقّة هذه الأرقام، أمام الأرقام الأعلى، في حسابات فريق المرشح فرنجيه، فان التحدي هنا يكون في خوض الاختبار، بالمواجهة داخل العلبة الزجاجية، المتشوقة للجولة التقليدية بين مقاعد المجلس القانط من هجرة الأصحاب.
وعليه، فالسؤال المطروح، هل ان بوابة القاعة العامة لمجلس النواب، باتت مهيأة اقليميا لاستقبال النواب، كناخبين رئاسيين هذه المرة؟
مصادر ١٤ آذار تستبعد ذلك، بدلالة ان حزب الله لم يدل بدلوه في موضوع دعم جعجع لترشيح عون، وأكثر من ذلك، تعتقد الوزيرة أليس شبطيني ان عمل رئاسة الجمهورية توقف عملياً منذ دخول حزب الله للقتال في سوريا، وطالما لا حلّ لدور الحزب في سوريا، سنبقى في الفراغ الرئاسي…
لكن رغم وجاهة هذا القول، فان مجلس النواب أمام جلسة انتخاب رئاسية في الثامن من شباط، ومثل هذه الجلسة كسابقاتها يتطلب تأجيلها ثبوت عدم اكتمال نصاب ثلثي عدد النواب الحاضرين، عندما يتلاقى عقربا الساعة، ويختفي أحدهما خلف الآخر ظهراً.
وثمة معضلة هنا، ليست مسبوقة، في سياق الجلسات الانتخابية الخلبيّة حيث كانت مقاطعة نواب التيار والحزب تعطّل النصاب فتتبخر الجلسة ويحدد الرئيس بري موعداً لجلسة لاحقة، أما الآن، وبعد انضمام كتلة القوات اللبنانية الى حملة العماد عون الرئاسية، بات من غير المنطقي استمرار مقاطعة المقاطعين التقليديين لجلسة الانتخاب، ولو انهم يتمنون ان تطير هذه الجلسة، كما سابقاتها، انما من غير مطارهم.
لكن الذين في الطريق الآخر، وتحديداً تيار المستقبل والحلفاء في ١٤ آذار، يصرّون على عدم تغيير العادة، بمعنى انهم سيحضرون جلسة التحدّي وأرجلهم في مياه باردة…
ولمواجهة هذا الاصرار المحفوف بالمخاطر، انطلقت الماكينة الانتخابية للعماد عون في جولات مكثفة على الكتل والمرجعيات، حتى لا تؤخذ على حين غرّة في الثامن من شباط، ولم تكن الحصيلة مطمئنة، فالتريث والترقب ديدبان معظمهم، البعض يغلّف صمته بالرغبة في التماس هلال الرئاسة الاقليمي، والبعض الآخر يمسك بلسانه، حتى لا يفسّر موقفه انزعاجا من وحدة الصف المسيحي، المتمثلة بتفاهم معراب.
لكن ثمة مخرجاً طلع به اللقاء النيابي الديمقراطي في اجتماعه أمس برئاسة النائب وليد جنبلاط، الذي رحب بمصالحة التيار والقوات لكنه تمسك بترشيح النائب هنري حلو للرئاسة، متراساً بوجه الضغوط.
وكأنه أراد ان يقول: لا شيء تغيّر، ومطرحك يا ماشي. –