لبنان مشغول بالسجال حول ما سبق الانتصار العسكري على داعش في معركة فجر الجرود. سجال يبدو، من جهة، كأنه بدل عن ضائع هو التفاهم على خطة لمواجهة تحديات ما بعد الانتصار، ومن جهة أخرى، كأنه التعبير الرمزي عن رهانات الأطراف على توظيف الانتصار في مرحلة ما بعده. وهو يسبق ويرافق التحقيق المطلوب لمعرفة الحقيقة، بحيث يساهم في حجب الحقيقة أو وضع التضليل في اطار ما سمّي خلال حملة دونالد ترامب الرئاسية الحقائق البديلة. فلا حدود للتحديات أمام لبنان في الداخل والخارج، سواء مارس النأي بالنفس عن صراعات المحاور أو اندفعت الأطراف وراء حسابات المحاور. ولا مهرب من معالجة الانقسام حول تحديد التحديات وأفضل الوسائل لمواجهتها.
كذلك الأمر في سوريا والعراق وتركيز القوى المنخرطة في الحربين على أولوية محاربة داعش. فالسباق على دير الزور محطة مهمة على الطريق الى المعركة الحاسمة في وادي الفرات بين القوى التي سيكون شرق الفرات حصتها والتي سيكون غرب الفرات حصتها. وما بعد وادي الفرات هو اعادة تشكيل سوريا والمنطقة وتوزيع النفوذ في النظام الاقليمي كما تتبلور صورة الصراع الجيوسياسي الذي تديره روسيا بشراكة أميركية وتعاون مع ايران وتركيا والسعودية واسرائيل.
لكن من الوهم الحديث عن نهاية للحرب على الارهاب. فوزير الدفاع الأميركي الجنرال جيمس ماتيس يعترف بأن بلاده لا تربح الحرب في افغانستان بعد ١٦ سنة من تفجيرات ١١ أيلول ٢٠٠١ والغزو الأميركي لافغانستان والعراق واسقاط نظام طالبان ونظام صدام حسين ومطاردة القاعدة وقتل زعيمها أسامة بن لادن.
وفي كتاب جديد تحت عنوان تشريح الارهاب: من موت بن لادن الى صعود الدولة الاسلامية يرى مؤلفه علي صوفان ان اسم المرض هو البن لادنية، والدولة الاسلامية من أعراض المرض. والمؤلف المولود في بيروت عمل محققا مع الجهاديين في العراق لحساب مكتب التحقيقات الفيديرالي الأميركي. وهو يقول ان تنظيم القاعدة سياسي أولا وديني ثانيا، وتنظيم الدولة الاسلامية ديني أولا وسياسي ثانيا. أما جاذبية داعش فان سببها ليس قتال التنظيم ضد القوات الأميركية بل انشاء الدولة الاسلامية التي يأتي الجهاديون اليها للقتال من أجل مملكة السماء على الأرض.
ومعنى ذلك ان مرحلة ما بعد طرد داعش من الأرض أخطر من مرحلة دولة الخلافة. وعلينا منع الفتنة ومحاربة الارهاب في اطار وطني بقوة الجيش والأجهزة، لأن أي انتصار فئوي هو بطاقة دعوة الى داعش أخطر.