Site icon IMLebanon

تحديات ما بعد  الشرق الأوسط الأميركي

الروس يبدأون من حيث انتهى الأميركان ويجرّبون ما فشلوا فيه. لكن الدبّ الروسي يبدو واثقاً من فعل ما عجز عنه النسر الأميركي. وعواصم المنطقة والغرب تبدو مرتبكة ومنقسمة وحائرة في تقدير الأهداف الحقيقية لموسكو من العملية العسكرية المفتوحة على عملية سياسية، بحيث تلجأ الى نوع من التبصير في فنجان الرئيس فلاديمير بوتين. حتى الذين يعرفون ما يتجاوز صور المشهد الاقليمي الحالي، فان المنظر أمامهم يبقى غامضاً بالنسبة الى تبلور الصور والخطوط النهائية على الخارطة الجيوسياسية. لا فقط في سوريا بل أيضاً في المنطقة التي كانت ولا تزال تتأثر بأي تطور دراماتيكي في عاصمة الخلافة الأموية. فكيف اذا كان اعلان الخلافة الداعشية فوق نصف سوريا وثلث العراق واحداً من التطورات الدراماتيكية، ولو انه أخطرها؟ وكيف اذا كان احتواء داعش، لا القضاء النهائي على التنظيم الارهابي، هو أمر اليوم في كل العواصم؟

التحديات أكبر من تصوراتنا. ولا مجال لمواجهتها بالأفكار والأوضاع القديمة. فنحن في مرحلة ما بعد الشرق الأوسط الأميركي، حسب العنوان الذي وضعته على غلافها لمحور متعدد الأصوات والمواضيع مجلة فورين أفيرز النافذة الصادرة عن مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك. وما يراه مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه ويعلنه امام نظرائه في مؤتمر عن الاستخبارات هو أن الشرق الاوسط الذي نعرفه انتهى. وأقل ما جاء في كلام مدير الاستخبارات المركزية الاميركية جون برينان هو: عندما أنظر الى الدمار في سوريا والعراق وليبيا واليمن، فان من الصعب ان اتخيل وجود حكومة مركزية في هذه البلدان.

وليس هناك قوة تستطيع وحدها اعادة رسم خارطة المنطقة. لا اميركا، ولا روسيا، ولا ايران، ولا تركيا، ولا السعودية، ولا مصر، ولا اسرائيل. ف الشرق الاوسط الواسع الذي عملت له اميركا قبل عقد من السنين سقط. ولسنا في الشرق الاوسط الاسلامي الذي تحدث عنه المرشد الاعلى علي خامنئي. ولا مستقبل لمشروع الخلافة الداعشية التي لها وظيفة موقتة تخدم اكثر من طرف. وليس لدى روسيا قاعدة اقتصادية تسمح لها بتوسيع عمليتها العسكرية لتوسيع نفوذها.

فضلاً عن ان ادارة الرئيس اوباما تتصرف على أساس انها رابحة، لا خاسرة، باستراتيجية المزيج من الانسحاب والبقاء في الشرق الاوسط. اذ هي، حسب المسؤولين السابقين في الادارة ستيفن سيمون وجوناثان ستيفنسون تحافظ على مصالحها عبر مقاربة توازن أوف شور. ومن الخطأ، كما يقول جون برينان، البحث حالياً عن تسوية نهائية بدل استراتيجية الخطوات الصغيرة.

والسؤال هو: هل ما يعمل له بوتين هو تسوية نهائية أم ترتيبات واقعية؟