IMLebanon

إنتقادات تشرينية قاسية لأداء التغييريين: يبحثون عن الظهور وباتوا مرآة للمنظومة

 

أيام تفصلنا عن الذكرى الرابعة لـ 17 تشرين التي تمخض عنها وصول 12 نائباً “تغييرياً” إلى مجلس النواب.

 

طبعاً لا يعني ذلك أن هؤلاء النواب يمثلون وحدهم تلك الانتفاضة الشعبية، ذلك أن نوابا آخرين وصلوا الى الندوة البرلمانية تحت عنوان التغيير ووصلوا باعتبارهم نوابا مستقلين، والأهم أن خريطة المجلس التي تغيرت نوعا ما عن المجلس السابق كان الفضل في ذلك الى 17 تشرين نفسها.

 

لكن في ما يتعلق بالنواب التغييريين، تعتبر شرائح واسعة في بيئة الانتفاضة أداءهم مخيبا للآمال، وهم يحاكَمون بقدر الآمال التي كانت معلقة عليهم، ويلفت قيادي بين التشرينيين الى “اننا لا نستطيع أخذ اداء التغييريين بالمفرق بعد ان قدموا صورة عن تكتل واحد، وبالتالي علينا التعاطي معهم كرزمة واحدة فالناس صوتت للتغيير في شكل كامل وليس لأحد بالمعنى الشخصي”.

 

في وجهة نظر يشترك فيها قياديون آخرون في تلك البيئة، يعتقد من اشترك مع التغييريين في انتفاضة 17 تشرين بإرباك شاب أداء هؤلاء. فبعد أن عمل التغييريون على إنشاء تكتل موحد وقدموا مبادرة رئاسية، سرعان ما انفرط عقدهم وبات “التكتل غب الطلب” حسب القضية المثارة، كما يقول المنتقدون للتغييريين.

 

فهم أولا لم يقدموا مبادرتهم الرئاسية الى الناس ولم يستشيروهم أصلا. ويشير أحد الناقدين للتغييريين الى ان الأخيرين خرجوا بمبادرة حضرها بضعة اشخاص وجالوا على كل القوى في المنظومة ليعرضوها عليهم. المنظومة التي اتهموها سابقا وانتقدوها بوصفها مرتبطة بالخارج، في تناقض واضح بين الشعارات والأداء. فما هذه الكذبة؟ وما هذه المظهرية؟ يسأل هؤلاء، ويضيفون: الواقعية السياسية تقتضي إطلاق مبادرة وفضح القوى السياسية التي لم تستطع إنتاج رئيس لبناني، وبالتالي التنديد بهذه السلطة وهذه الطريقة بانتخاب الرئيس.

 

“شرشحوا مرشحي الرئاسة”

 

إنها مثال على تلك المآخذ. مثال آخر يتعلق بالسقطة الأخرى في الانتخابات الرئاسية حين تشتت العشاق لصالح بضعة مرشحين وبعضهم لصالح الورقة البيضاء حتى “تشرشحت” بعض الأسماء المحترمة بعد عدم حصولها على اكثر من بضعة أصوات.

 

ثم يسال هؤلاء: ماذا كان المعيار لاختيار المرشحين، جهاد أزعور وزياد بارود مثلا؟ أليسا جزءا من المنظومة؟ ثم ماذا عن الذين انتقدوا ترشيح أزعور ثم انتخبوا بارود؟ علما ان أزعور الذي اشترك مع بارود بالوزارات السيادية، عاد وانتقل الى عمله في البنك الدولي بينما ترشح بارود (الذي نحترم) على لائحة التيار الوطني الحر في انتخابات 2018.. ثم بالنسبة الى من رشحوا أزعور، هل هم الذين فاوضوا أم تمت المفاوضة عنهم؟ ومن ابتكر فكرة التقاطع؟ أليس الطرفان الرئيسيان هما “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” وليس التغييريين الذين اصطفوا معهم؟

 

يستعرض القيادي التشريني مسار عمل التغييريين منذ فرط التكتل ثم اعادة تجمعه صدفة كما كان الحال عند “فضيحة” سينثيا زرازير فوقعوا على بيان مشترك مع انهم لا يلتقون مع بعضهم البعض!

 

ففي كل المحطات الاساسية برهن التغييريون أنهم ليسوا تكتلا وقدموا نماذج فردية من دون معنى حقيقيا لجوهر التغيير بقدر ما عبرت بمكان ما على انهم باتوا جزءا من هذه المنظومة يتفاعلون معها عبر الأداء.

 

لكن أليس في ذلك ظلما للتغييرين؟

 

يرد المنتقدون بأن ذلك لا يعني ان التغييريين باتوا جزءا من المنظومة بقدر ما انهم يتماهون معها. فبعضهم كان يُعبر عن موقف حنبلي من المنظومة.. ثم تراجع.. ثم عاد الى الموقف المبدئي! أليس في ذلك تعبيرا عن ارباك او عن نية حقيقية لإعادة انتخابه في العام 2026؟ وقس على ذلك، بعضهم يزور مفتي الجمهورية والبطريرك الماروني، وبعضهم ينشىء جمعيات ذات طابع اجتماعي ثقافي متعدد عنوانها العام 26 للتحضير للانتخابات، كل ذلك يشير الى هدف واحد: إعادة انتخابه.

 

يطرح المنتقدون سؤالا حول مسألة المبدأية التي ليست واضحة تماما لدى التغييريين، وبذلك يستوي الجميع في الموقف، فالمعايير ليس دائمة كذلك الثبات على المواقف.

 

شجرة إعتصام المجلس!

 

أما حب الظهور فهذه مشكلة يقع فيها تغييريون في ظل اطلاق مواقف شعبوية في الاعلام وفي مجلس النواب من دون النزول فعليا على الأرض. فاعتصام النائبين ملحم خلف ونجاة عون لم يشكل سوى المثال الحي على الفردية في القرار من دون نتيجة. وخلف المفترض انه من موقعه النقابي وعمله الاجتماعي افضل من غيره، صعد الى الشجرة ولم يعد قادرا على النزول، حتى أنه لم يعد ملتزما البقاء في اعتصام المجلس واصبح يدخل ويخرج متى يشاء ففقد اعتصامه مضمونه، حسب أحد قياديي 17 تشرين.

 

فرصة تكتل الـ 25 الضائعة

 

على أن الامر الثابت مهما تعرض التغييريون لانتقادات هو ان الداخلين الى المجلس بعقلية تغييرية شكلوا خرقا إيجابيا، وهم قدموا من خارج البوسطات الانتخابية والقوى السياسية، والمفارقة ان هذا بالضبط ما سبب الإحباط لدى بيئة التشرينيين الشعبية التي عبّر كثيرون فيها عن ندمهم لانتخابهم.. ويأسف المنتقدون لكون فكرة التغيير قد ضُربت وهذا اسوأ ما يمكن ان يحدث، وبغض النظر عن نجاحات فردية، لم تحصل نجاحات تذكر لكتلة كان مقدرا لها ان تتفوق عددا عن كتل اخرى مثل “اللقاء الديموقراطي” و”تجدد” و”الاعتدال”. وكان من المفترض لحظ آليات عمل واضحة تلحظ ديموقراطية داخلية وتنفتح على المستقلين قبل فرط عقد التكتل وليس بعده ما كان سيوفر تكتلا وازنا لا يقل عن 25 نائباً.

 

أما أسباب فرط التكتل فغير مبررة، وحتى لو قدم التغييريون من مشارب مختلفة، الا انهم ليسوا من إيديولوجيات وأحزاب عقائدية متناقضة لكي يحصل ما حصل من انقسام، وكان في استطاعتهم التوصل الى حل وسط في مختلف المسائل، وعدم حصول ذلك يعبر عن مراهقة سياسية واحيانا عن نقص النضج السياسي.

 

وللحق سجلت محاولات تشريعية للتغييريين عبر مشاريع قوانين جوبهت “بمجلس معطل”، لكن في المقابل كان لبعض التغييريين موقفا غريبا في قضية مثل دولرة السلع الغذائية الاساسية الذي وافق هؤلاء عليه تحت شعار ضبط الاسعار الذي لم يحصل!

 

إنها بعض الأمثلة وليس جميعها على حد تأكيد القيادي التشريني. أسئلة كثيرة يطرحها على التغييريين تتعلق بانحيازات شعبية جدية نحو قضايا اقتصادية ومعيشية وأخرى متعلقة بالطبابة والدواء، حتى أن البعض لجأ الى وزارات لقوى في السلطة في سبيل بعض الخدمات وآخرون لجأوا الى منظمات غير حكومية!

 

ما المطلوب اليوم؟

 

الحقيقة أن هذا الأمر بات خارج السياق، وباتت فرص التغيير في المجلس المقبل مهددة إذا استمر الأداء على هذا المنوال، يجيب المنتقدون.

 

ولعل الفرصة المحققة اليوم لن تتوفر في المستقبل بعد ان ضبطت المنظومة الوضع وخاصة مع انتظام أي عهد جديد وشروعه في إجراءات وإصلاحات وخاصة اذا توفرت الثروة البحرية من غاز ونفط. فالناس، في ظل كل ما جرى، أعادت انتخاب المنظومة، فكيف مع تحسن الوضع في المستقبل؟ يسأل هؤلاء.

 

لعله تقييم بالغ القساوة على التغييريين، لكنه يُتداول بكثرة في صفوف التشرينيين الذين يحتفلون بعد أيام بالعيد الرابع للانتفاضة المُجهضة.