هندسة جنيف-٣ تتيح للموفد الدولي ستيفان دي ميستورا أن يعلن بدء المؤتمر رسمياً على ساعته، وإن لم يبدأ عملياً. فالمقرر أصلاً هو تجنب افتتاحه بجلسة احتفالية تحت الأضواء يديرها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي – مون ويحضرها ويتحدث فيها وفدا النظام والمعارضة ونجوم الدول الاقليمية والدولية، كما حدث في جنيف-٢. والأسبوعان الأولان مخصصان للتشاور في الغرف المغلقة مع كل طرف حول الاجراءات وجدول الأعمال تمهيداً للانتقال الى المفاوضات.
أما عملية الأخذ والرد حول تمثيل المعارضين مقابل تمثيل النظام، فإنها دفعت البعض الى القول إن الخيار الأسهل كان التفاوض المباشر بين ممثلي أميركا وروسيا وايران والسعودية وتركيا وقطر وفرنسا وبريطانيا، ما دامت الحرب ليست بين السوريين وحدهم والتسوية ليست بين السوريين وحدهم. وأما المعادلة المستخدمة في خطاب النظام والمعارضة والقائلة: لن نعطي الطرف الآخر على الطاولة ما لم يستطع أخذه على أرض المعركة، فإنها من باب رفع السقوف قبل التفاوض.
لكن من الصعب التعامل مع جنيف-٣ كأن اللعبة لا تزال كما كانت في جنيف-٢ قبل عامين. فالمسافة بينهما ليست فقط زمنية بل أيضاً مكانية. وفشل جنيف-٢ كان تعبيراً عن رغبة دمشق مدعومة من موسكو في التخلص من بيان جنيف-١ الداعي الى تأليف هيئة حكم انتقالي بصلاحيات تنفيذية كاملة، كما عن تردد أميركا في مواجهة الروس وامتناعها عن دعم معارضة تراها عاجزة عن أن تكون البديل من الوضع القائم. وما قادت اليه العملية العسكرية الروسية في الحرب هو تعديل موازين القوى لمصلحة النظام، وتجاوز بيان جنيف-١ بالتفاهم مع واشنطن الى بيان فيينا الذي تبناه مجلس الأمن بالاجماع على القرار ٢٢٥٤.
وليس من السهل على المعارضين التخلي عن المطالبة بأن يكون بيان جنيف-١ مرجعية المفاوضات. ولا بالطبع عن دعوة المجتمع الدولي وبان كي – مون ودي ميستورا الى العمل على تطبيق القرار ٢٢٥٤ بدءاً بوقف النار وفك الحصار وايصال المساعدات الانسانية الى المحتاجين وهم أكثر من نصف الشعب السوري، حسب المادتين ١٢ و١٣ من القرار الدولي. لكن التفاهم الأميركي – الروسي مبني على سيناريو آخر، أقله لجهة التوقيت في تنفيذ بنود القرار بالتدرج. ومجلس الأمن عاجز عن تطبيق قراراته الا بالتفاوض والاتفاق بين الأطراف. والمثال الطازج هو العجز، حتى بالتفاوض، عن تطبيق القرار ٢٢١٦ المتعلق بحرب اليمن والمبني على الفصل السابع الذي يجيز التطبيق بالقوة أو بالعقوبات. فكيف الحال بالنسبة الى القرار ٢٢٥٤ المبني على الفصل السادس والذي صيغ بلغة مطاطة قابلة لأي تفسير؟ وكيف اذا كانت موسكو صاحبة اليد العليا في التفسير؟