IMLebanon

حكومة الإنفراج..أو فوضى الإنهيار

 

يضع اللبنانيون أيديهم على قلوبهم، وهم يترقبون الساعات القليلة الفاصلة بين مسار الإنفراج وسلوك طريق الإنقاذ، أو الوقوع مرة أخرى في فوضى الإنهيار.

 

لقد دقت ساعة الحقيقة، وإنتهت أيام المناورات والمناوشات، وعمليات شدّ الحبال ومصادرة الوزارات، لهذا الطرف أو ذاك، أم لهذه الطائفة أو ذلك المذهب، وفرضت الكوارث المتتالية التي حلت بالبلد، وكان آخرها زلزال المرفأ الإنفجاري، على الجميع تغيير قواعد اللعبة، والإلتزام بما رسمته الجهود الفرنسية، وجهود الرئيس ماكرون مع القيادات السياسية والحزبية، لإطلاق مسيرة الإصلاحات، وفتح أبواب المساعدات.

 

ويمكن القول أن المواصفات التي تم تحديدها للحكومة العتيدة تضمنت بعض المبادئ الإصلاحية، التي طالما رفع السياسيون شعاراتها في مواسم الإنتخابات، ثم تركوها عند أول مكب للنفايات بعد إعلان النتائج!

 

لعلها المرة الأولى، منذ انتهاء الحرب، يتم التخلي عن الحكومات الفضفاضة، سواء كانت عشرينية أم ثلاثينية، والإكتفاء بحكومة مصغرة من ١٤ وزيراً مثلاً، وهي خطوة إصلاحية نوعية، لأنها تركز على أصحاب الإختصاص والكفاءات، بعيداً عن المحسوبيات السياسية، والتبعية الحزبية.

 

ولأول مرة أيضاً تنجح محاولة فصل الوزارة عن النيابة، وهو مبدأ إصلاحي وديموقراطي، مُعتمد في الأنظمة الديموقراطية العريقة، حفاظاً على الإنتاجية العالية، لكل من النائب والوزير، بعيداً عن المؤثرات الإنتخابية، والتنفيعات الشخصية، التي تشكل أساس سرطانات الفساد في الإدارات العامة. إضافة إلى تعزيز فعالية مهمات النائب في المساءلة والمحاسبة ورقابة السلطة التنفيذية.

 

أما البند الإصلاحي الثالث فكان تطبيق مبدأ المداورة للحقائب الوزارية بين الطوائف، وإلغاء التقليد الذي درجت عليه المنظومة السياسية الفاسدة، القاضي بتقاسم الوزارات الدسمة بشكل دائم، بحيث أصبح للطاقة لون حزبي وهوية طائفية، وكذلك الحال بالنسبة لوزارات المالية والداخلية والخارجية والأشغال وغيرها!

 

ليس سراً أن محاولات الرئيس المكلف تشكيل حكومته على هذه الأسس الإصلاحية، قد لاقت الكثير من الإحتجاجات والعراقيل، بدءاً من المطالبة بتوسعتها إلى ٢٠ أو ٢٤ وزيراً، وصولاً إلى التمسك بحقائب معينة، ومروراً بإبداء الحرص على المشاركة، ولو بشخصيات غامضة وغير حزبية!

 

صلابة الرئيس المكلف في رفض كل تلك المحاولات، والتمسك بالمواصفات الإصلاحية الأساسية، مستمدة من الإلتزام بالتوافقات السياسية التي حصلت مع الرئيس ماكرون في إجتماعات قصر الصنوبر، ومن تمسك الجانب الفرنسي بالمبادئ التي وافقت عليها القوى السياسية، ولم يعد بمقدورها التراجع عما بصمت عليه، ولو شفهياً. لأن الرئيس الفرنسي كان واضحاً في كلامه بعد إنتهاء اللقاء الأخير في مقر السفير الفرنسي: أي طرف يُعرقل الخطة المتفق عليها، ستكون العقوبات بإنتظاره.

 

بين مهمة اللواء عباس إبراهيم في باريس، موفداً من الرئيس ميشال عون، والقرار الأميركي بفرض العقوبات على الوزيرين السابقين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس، إهتزت أجواء التأليف، وتكهربت العلاقات، حتى بين الأصدقاء والحلفاء، وخيّل للبعض بأن البلد أمام مرحلة طويلة مع حكومة تصريف الأعمال، على وقع أسوأ الإحتمالات تدهوراً، مسترجعاً المشهدية السيئة الذكر، عشية إندلاع حربي التحرير والإلغاء: إما حكومة الإصلاح والإنفراج .. أو السقوط في فوضى الإنهيارات!

 

لم يعد الوقت يسمح بترف المفاضلة بين الخيارين، ولا الإستمرار في سياسة المناورة والعناد. وكان أن إنتصرت الواقعية السياسية مرة أخرى، وتركت الأطراف السياسية المعنية الساحة، بعد الإتصالات المكثفة في الربع الساعة الأخير، والتي شارك في جانب منها الرئيس ماكرون شخصياً، مفسحة المجال للولادة الحكومية خلال الساعات القليلة المقبلة.

 

ليس ثمة إستبعاد لحركة «أمل» أو الرئيس نبيه بري، بل على العكس تماماً، لأن دوره الوطني محفوظ، وموقعه في السلطة معروف، وإعلانه عدم المشاركة في الحكومة ينسجم تماماً مع المواصفات التي إعتمدت في التأليف، والتي أوردنا تفاصيلها سابقاً.

 

وكذلك الحال مع الوزير جبران باسيل وتياره السياسي، حيث جاء كلامه متوافقاً مع ما تم الإتفاق عليه مع ماكرون خلال زيارته الأخيرة لبيروت، حول ضرورة تشكيل حكومة من أهل الكفاءة والخبرة، بمعزل عن الصراعات السياسية والتنافسات التقليدية على المقاعد الوزارية، لإفساح المجال أمام مساعي إستعادة الدولة اللبنانية ثقة الدول المانحة بقدرتها على تحقيق الإصلاحات، ووقف الإنحدار الحالي.

 

ويبقى السؤال: هل يُعلن الرئيس المكلف حكومته اليوم وتُفتح أبواب الإنفراج، أم أن مفاجآت اللحظة الأخيرة تُطيح بكل الآمال وتدفع بالبلاد والعباد إلى جهنم الفوضى والإنهيارات وبئس المصير؟