كسر ملف المقالع والكسارات القاعدة التي تقول: “الفوضى تجرّ الفوضى”. فبعد الذي يحصل في لبنان من فلتان وتجاوزات في ملف المقالع والكسارات والمرامل، في الفترة الأخيرة، وأمس، بات يمكن القول “إن الفوضى ستجرّ الكارثة”.
ولعل السؤال الذي يطرح، بعدما كتبنا مئات المقالات عن سوء إدارة هذا القطاع منذ عام 1995: لماذا فشلت حكومات ما بعد الطائف والعهود كلها في تنظيم هذا القطاع وتوابعه؟ ولماذا وصلنا الى ما وصلنا إليه من حالة فلتان وتشبيح، حتى استباح المستثمرون بشكل عشوائي واستنزافي في هذا القطاع، الجبال والأودية والمنحدرات والأحراج والأملاك العامة والخاصة والطرقات (كما حصل أمس)؟
الجواب السريع والبديهي عن هذا السؤال: لأن معظم القوى السياسية الأساسية في السلطة (وحولها)، استثمرت فيه ومنعت تنظيمه طوال تلك السنوات عبر قوانين ومخططات توجيهية فنية فعلاً، لتحقيق أكبر قدر ممكن من الأرباح على حساب الطبيعة اللبنانية والخزينة (في حال استيفاء الرسوم الحقيقية من عائداته)، الذي ترتبط به أيضاً معامل الاسمنت المربحة والمحمية.
فإذا كانت الحقيقة الأولى التي يمكن تسجيلها، بعد يوم عاصف أمس من قطع الطرق على اللبنانيين من قبل المستثمرين وأصحاب الشاحنات (وليس السائقين)، هي بأن هناك من تقصد عدم التنظيم لتحقيق الأرباح، فالحقيقة الثانية التي يفترض تسجيلها، أن الأكثرية المطلقة العاملة في الاستثمار في هذا القطاع هي غير شرعية وغير مستوفية أبسط الشروط. وربما هذا ما يفسر قرار وزير الداخلية باتخاذ قرار إقفال شامل (لمدة شهر). مع السؤال الإضافي لماذا تحديد فترة شهر، وما الذي يمكن أن يتغير في هذه الفترة القصيرة، في وقت تمادى فيه المخالفون كثيراً في الزمن وفي حفر الجبال، حتى بات الكثير منها مهدداً بالزوال، كما هي الحال على طريق ضهر البيدر!
أما الحقيقة الثالثة التي لا تنفصل عن الحقائق السابقة الذكر، أن الذين يدّعون العمل وفق “تراخيص”، إما أنها غير صحيحة، أي غير مستندة الى نصوص واضحة، أو أنهم مخالفون لمضمونها، وهذا ما يفسر استبسال العاملين من دون تراخيص وبطرق الاحتيال على المراسيم التنظيمية، من الاستمرار في العمل وإرسال أتباعهم لقطع الطرق.
الحقيقة الرابعة أن المهل الإدارية التي كان يعمل بها بقرارات شبه سنوية لكل المخالفين بهذا القطاع انتهت نهاية عام 2011 لأن المرسوم الرقم 1735/2009، في الفقرة 2 و3 من المادة الثالثة أعطى هذه المقالع تراخيص لسنة واحدة قابلة للتجديد سنة إضافية”، وأنه بعد هذا التاريخ كان يفترض أن لا تستمر الأعمال المخالفة، وأن أحداً لم يعالج هذا الموضوع، إن لناحية تطبيق منطوق المرسوم، أو الاستفادة من مهلة السنتين عملياً بالعمل على استبدال المراسيم التنظيمية بقانون خاص، وإعادة النظر بالمخطط التوجيهي لناحية حصر الاستثمارات في أملاك مصرف لبنان أو مشاعات الدولة، لكي تصبح الخزينة هي المستفيد الأكبر من هذا القطاع، حتى تاريخه.
الحقيقة الخامسة أنه بالمقارنة مع دراسة “حزب البيئة اللبناني” عام 2006، التي قدرت الخسائر على الخزينة من جراء عدم تنظيم هذا القطاع (بقانون) وعدم استيفاء الرسوم التي يمكن تحصيلها من خلال تأجير أراضٍ لمصرف لبنان أو مشاعات للدولة ورسوم الترخيص والاستثمار والمراقبة والرسوم على الأرباح، بالإضافة الى الكفالة المصرفية… فإن الخسارة على الخزينة قد تتجاوز خمسة مليارات دولار أميركي، ذهبت لتمويل المنتفعين من سياسيي ومقاطعجيي المناطق.
أما الحقيقة السادسة فهي في تحول حال الفوضى المتمادية في عمل هذا الملف الى كارثة اليوم، كون حجم الهكتارات المشوهة بالمقالع والمرامل بات كبيراً جداً، وأن معظم هذه التشوهات باتت غير قابلة للإصلاح وإعادة التأهيل. وربما هذا ما يفسر عدم اقتناع من يودون وضع أسس جديدة لحل الأزمة الأخيرة، بإعطاء مهل جديدة لتسوية أوضاع المخالفين، تحت عنوان “فترة تأهيل”، لأن “التأهيل” لم يعد ممكناً في معظم المواقع!