في صيف العام 2004 أصدرَ مجلس الأمن الدولي القرار 1559 الذي يُعيد الشرعية إلى لبنان من خلال:
1 – التمسّك بانتخاب رئيس جديد للجمهورية تطبيقاً لأحكام الدستور اللبناني.
2 – إنسحاب الجيش السوري من لبنان.
3 – نزعُ سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية وبسطُ سلطة الدولة اللبنانية بقواها الشرعية على كامل أراضيها.
وكانَ الهدف من البنود الثلاثة المذكورة إعادة لبنان إلى قلب الشرعية الدولية، بعدما كان تحت وصاية النظام السوري وإدارة حلفائه المحلّيين.
بعد صدور القرار بأسابيع قليلة كانت محاولة اغتيال الوزير مروان حماده بدايةَ مسار ترهيبي لإخضاع الطبَقة السياسية اللبنانية ومنعِها من السير في طريق استعادة شرعية الدولة وإعادة لبنان إلى قلب الشرعية الدولية سياسياً… وتوِّج هذا المسار باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقِه بغية إحباط أيّ محاولة لبناء قوّة لبنانية – مسيحية إسلامية مواكِبة لمساعي الشرعية الدولية في إعادة بناء الشرعية اللبنانية المتحرّرة من الوصاية السورية والسلاح غير الشرعي.
ولمّا جاءت ردّة فعل اللبنانيين معاكسةً لمخططات ترهيبهم وتركيعِهم، على شكل انتفاضة سُمّيت «ثورة الأرز»، وأدّت، من بين ما أدّت إليه، إلى خروج الجيش السوري من لبنان وتشكيل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، توالت فصول الانقلاب على «الثورة» على شكلِ اغتيالات ومحاولات اغتيال متلاحقة ترافقَت مع ضغوط سياسية وتحرّكات ميدانية ذات طابع عسكري في بعض الأحيان، ممّا أدّى إلى قضمٍ متلاحق لمواقع السلطة السياسية وإلى التفاف مستمرّ على الدستور اللبناني وتفريغ للمؤسّسات الدستورية وشلّ عملِها على نحوٍ سمحَ بقيام وصاية جديدة على دورة الحياة السياسية في لبنان تمثّلت بفائض قوّة «حزب الله» وانعكاساتها على دورة الحياة السياسية في لبنان، بما أبدلَ «وصاية عنجر» بـ«وصاية حارة حريك».
وبعد نحو 12 سنة على القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، أصدرَ الكونغرس الأميركي قانوناً يحمل الرقم 44 لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وأنشطة المقاتلين الإرهابيين الأجانب «Foreign Terrorist Fighters» المذكورة في قرار مجلس الأمن الرقم 2178، كما أدخل هذا القانون الأسس القانونية التي أتاحت وضعَ آليّات خاصة لتطبيق العقوبات الماليّة لتنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 1267.
إنّ هذا القانون، معطوفاً على قرارَي مجلس الأمن الدولي المذكورَين وعلى القرارات التنفيذية الصادرة عن الإدارة الأميركية لناحية اللوائح التي تتضمّن أسماءَ ومؤسسات تابعة لـ«حزب الله» تهدف، من بين ما تهدف إليه، لإعادة لبنان إلى قلب المنظومة الشرعية للاقتصاد العربي والدولي من طريق منعِ استخدام نظامه المصرفي لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب…
وعلى غرار ردّة الفعل على القرار 1559، جاء تفجير فرع بنك «لبنان والمهجر» في فردان مساء الأحد ليذكّر بمحاولة اغتيال الوزير مروان حماده عام 2004.
إنّه التاريخ يعيد نفسَه… أو بالأحرى إنّها مسيرة سلخِ لبنان عن الشرعية العربية والدولية تتوالى… فاستهداف بنك «لبنان والمهجر» يُعتبر عملية ترهيب لقطاع المصارف المؤيّد للقانون الأميركي الذي يعيد لبنان إلى الشرعية الاقتصادية الدولية، مماثلةً لعملية الترهيب التي يتعرّض لها السياسيّون اللبنانيون المؤيّديون للقرار 1559 الذي يعيد للشرعية اللبنانية سلطتَها وسيادتها ومؤسساتها، وبالتالي يعيد لبنان إلى قلب الشرعيتين العربية والدولية.
فكما نَجحت الوصاية السورية في سلخِ لبنان عن الشرعية العربية من خلال وضعِ يدها على تنفيذ «إتّفاق الطائف» بعد تفريغه من مضمونه، نَجحت الوصاية البديلة الناشئة بعد الخروج السوري في عزل لبنان سياسياً واقتصادياً عن الشرعية العربية من خلال «العقوبات» الخليجية الأخيرة على «حزب الله» التي تأثّر بها لبنان ككل.
واليوم تعمل «الوصاية الجديدة» على استكمال مخطّطِها الانقلابي بعزلِ لبنان عن المنظومة الاقتصادية العربية بعد عزله عن الشرعية العربية، تمهيداً لمزيد من وضع اليد على دورة الحياة في لبنان من طريق الترهيب والاغتيال الاقتصادي الذي يوازي في مفاعيله عملية اغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاها من عمليات اغتيال ومحاولات اغتيال إتماماً للانقلاب على النظام الاقتصادي اللبناني باعتباره جزءاً من النظام السياسي!
• عضو الأمانة العامة لقوى «14 آذار»