بين القريب من القلب والإستفزازي… كيف مالت دفة الناخبين؟
انتهى الاستحقاق الانتخابي وفاز من فاز وخسر من خسر بتعداد الأصوات والحواصل وكسرها، لكن في ميزان الكاريزما لم يكن للأرقام اي وقع فبعض الفائزين لم يستطيعوا اجتياز امتحانها وفشلوا في الوصول الى قلوب الناخبين فيما بعض الخاسرين تركوا تأثيراً إيجابياً وإن لم يتجل في عدد الأصوات وحجزوا مكان له في قلوب الناس. في رأي الناخبين كما في رأي خبراء التواصل بعضهم «مهضوم» قريب من القلب ومقنع حتى بطروحات عشوائية و بعضهم سمج «ثقيل الدم» فُرض على الناخبين فرضاً.
لا شك أن الانتخابات الأخيرة لم تكن كسابقاتها بالنسبة لكثرة الوجوه الجديدة التي ترشحت، وهؤلاء كانت مسؤوليتهم أكبر من القدامى المعروفين حلةً ونسباً وانجازات وإخفاقات، والحمل عليهم مزدوج وثقيل: أن يسحروا الناخبين ليصوتوا للائحة أولاً ولهم ثانياً. من سبقهم بات متمرساً باللعبة يعرف نقاط ضعفه ومشاكله لا بل بات يخجل، خاصة إن كان من أحزاب السلطة، من الإطلالات الإعلامية المكثفة وترك الإعلانات الانتخابية للجدد والمعارضة. هؤلاء نجح بعضهم في تقديم نفسه للناس بطريقة واثقة فيما بعضهم الآخر لم يوفق بذلك.
المرشح، وفق خبير التواصل سامي صعب هو «منتج» عليه إقناع الناس للتصويت له من خلال الصورة التي يقدمها في حملته الانتخابية. وهنا كل العناصر تلعب دورها في إنجاحه او إفشاله بدءاً من صورته التي تعرّف الناس به لكنها قد تلعب ضده ايضاً، وهي لا تعني الصورة الفوتوغرافية للوجه فقط بل الانطباع الذي يقدمه من خلال شكله وملابسه ووقفته وضحكته وحركاته ومن ثم صوته ونبرته وبعدها من خلال أدائه وصدقه ومضمون كلامه وقدرته على الإقناع. المعادلة بسيطة أعجب اولاً ثم إقنع… ومن لم ينجح بامتحان الشكل والقبول أولاً، فعبثاً يتعب في إقناع الناس ببرنامجه.
الأخطاء التي وقع فيها المرشحون كثيرة بحسب صعب وأبرزها في الصورة الفوتوغرافية حيث بدا بعضهم وكأنه يأخذ صورة على شاطئ البحر مع نظرة حالمة او صورة لجواز السفر مع نظرة تائهة، صور على خلفية بيضاء لا تلفت النظر فيما التصوير على خلفية سوداء يعطي عمقاً للصورة ويبرز تعابير الوجه والنظرة. كذلك ارتكب الكثيرون خطأ قراءة خطاباتهم امام الجمهور من دون تفاعل او حركة على المسرح وبعضهم بالغوا في إطلالتهم الإعلامية و أطالوا بالكلام بحيث بات يمكن القول إن مع كل إطلالة بات الجمهور يكتشف تلاعبهم وتناقض كلامهم بشكل أكبر. منهم من كانت تعابير وجهه جامدة أو حزينة او حتى غاضبة فيما لم ينجح آخرون بتثبيت نظراتهم أو توجيهها نحو الجمهور فظلت نظراتهم هاربة لا تأسر متابعيهم. وبعضهم اعتمد السذاجة في مقاربته من دون الاتكال على فريق عمل محترف فبدا ساذجاً بسيطا لا يملك الخبرة أو حتى الذكاء السياسي. إحداهن بالغت في الضحك في صورها في حين ان لا الظرف ولا إنجازاتها الوزارية تسمح بالضحك. واستغرق أحدهم في الخطابة وكأنه في مسرحية رحبانية فيما بالغ بعضهم في السلبية والاستفزاز.
الخبرة والتعاطف سر الكاريزما
الاختصاصي في التواصل والاستاذ الجامعي نضال نصرالله يعطي للكاريزما تعريفاً شاملاً فيقول إن العقل حين يرى صورة شخص ما لا سيما في مركز مسؤولية يسأل نفسه على الفور إن كان هذا الشخص خبيراً ومتمرساً في ما يقوم به وإذا كان متعاطفاً مع من يسمعه اي قادراً على إشعار هذا الأخير بأهميته. والشخص الذي يملك حضوراً هو من يجمع التمرس والتعاطف. بعض المرشحين مثل مارك ضو يملكون مقومات التواصل لكن الناس يسألون أين خبرتهم هل هم حقاً فاهمون للعبة السياسية، فيما لا يمكنهم قول ذلك عن سامي الجميل الذي يملك خبرة سياسية طويلة. الكاريزما تتجلى في عدد من المظاهر أبرزها لغة الجسد التي يجب أن تكون دائماً منفتحة باتجاه الآخر تبرز الثقة وليس الضعف والانطواء ومن كان لديه حضور غالباً ما نراه يحتل مساحة أوسع من خلال لغة جسده وهذا ما نراه عند الرئيس بري الذي يضع دائماً يده على الكرسي أمامه او الى جانبه ويوسع مساحته ليقول إنني أملك هذا المكان. حتى حدبة الظهر يمكنها أن تكون مثالاً على التعاطف اي أن المرشح يحمل هموم الناس من هنا نرى بعضهم يميلون الى الأمام وهم على الشاشة و كأن ثقلاً فوق أكتافهم.
ومن مقومات الكاريزما إضافة الى مهارات التواصل، معرفة ماذا يريد الناس وما هي مشاكلهم وماذا يمكن أن نعطيهم وكيف نساعدهم. وهنا كان خطأ الكثير من المرشحين حيث أنهم لم يتطلعوا الى ما يريده الناس ويحتاجونه بل ركزوا على ما يريدون قوله وإيصاله. يقول أفلاطون إن فن الخطابة يحتاج الى ثلاثة عناصرهي المشاعر، المنطق والصورة، بعض المرشحين امتلكوا هذه العناصر الثلاثة واستطاعوا الوصول الى الناس في خطابهم. بولا يعقوبيان مثلاً يقول نصرالله تملك قدرات التواصل لأنها إعلامية سابقة وبعد اربع سنوات اكتسبت القدرة على أخذ الإجابة مثلاً الى مكان آخر واكتسبت لغة الجسد وبراعة خطابية أعطتها القدرة على جعل الناس يصغون إليها. فيما ميشال المر الذي لا يملك خبرة وخلفية سياسية بعد لم يستطع الوصول الى الناس لأنه غير متقن للعبة التملق والتهرب وصراحته قاسية فيما الناس يفضلون من يتكلم بطلاقة ويركزون على ذلك أكثر من المضمون. الأمر ذاته بالنسبة لسنتيا زرازير مثلاً التي يمكن أن تشكل حالة في البرلمان لا سيما أنها لقيت تعاطفاً عند الفئة الشابة من 15 الى 25 بأسلوبها الطبيعي فيما شكلت صدمة عند الجيل الأكبر المعتاد على شكل تقليدي للمرشح. عمر حرفوش المرشح عن طرابلس ومؤسس الجمهورية الثالثة لا شك عنده كاراكتير وشخصية محببة لكن هل يمكن أن يقنعنا بأنه قادر رغم كونه «مهضوم ونكتجي» على إدارة البلد؟ هل ينافس الرئيس ميقاتي المتمرس وذي الثقل القوي؟
نجوم على الشاشة
بعيداً عن الكاريزما استطاعت الأحزاب فرض مرشحيها على مناصريها سواء أحبوهم أم لا. وفي هذا السياق يقول الإعلامي فادي شهوان إن كل الأحزاب حتى التي لعبت لعبة التغيير أعادت ترشيح نواب كانوا غير مقبولين من الناس، فالجميع فضلوا العنوان السياسي ولعبة شد العصب على الشخص بالمطلق.
نسأل الإعلامي من خلال خبرته الطويلة في عالم التواصل والإعلام عمن استطاع من المرشحين الوصول الى قلوب الناس أكثر من سواه ومن كان سلبياً؟ فيبدأ بالنقطة الأخيرة قائلاً إن من كان استفزازيا يطلق الاتهامات لشد العصب من دون إعطاء الحلول هو سلبي والذي يتكلم بغضب دوماً وانفعال زائد او بصوت مرتفع او من كان يطيل في الكلام لم يتقبله الجمهور، أما من كان إيجابيا يحمل الأمل والصدق في كلامه ولا يعتمد الاستفزاز ولا الابتزاز فهذا وصل الى الناس.
يؤكد فادي شهوان أن طريقة التعبير عن الفكرة في الإطلالة الإعلامية أهم من الفكرة بحد ذاتها فالمرشح الذي يقدم مقاربة صحيحة وهادئة فيها وضوح وتسلسل أفكار بحيث يفهم الناس ما يريد قوله ولا يحكي الشيء ونقيضه ويعكس صورة إيجابية بسيطة غير مستفزة مرتبة ونظيفة مع تعابير وجه غير نافرة هو الذي يكون في العادة قريباً من الناس.
بعض المرشحين رغم ما لديهم من كاريزما كانت لديهم أخطاء واضحة في ظهورهم الإعلامي. فالنقيب ملحم خلف يملك في صوته وأدائه قدرة على الإقناع لكنه غالباً ما يدور حول الموقف، ولا يجزمه بوضوح. حليمة قعقور مثلا تقدم مقاربة صحيحة لكنها تحمل نفحة غضب، أما بولا يعقوبيان فلديها حماسة زائدة. عمر حرفوش عادة يتكلم بشكل صحيح وجملة مضبوطة لكنه خلال مقابلة تلفزيونية محكمة يضيع في الحديث. سليم الصايغ رغم قدرته على إيصال فكرته يطيل في الكلام وزياد حواط مع ما يتحلى به من كاريزما كان معظم الأحيان يتكلم بغضب. جاد غصن شكل حالة كاريزماتية لأنه ضد الكل ويعرف ما يريد قوله أما زرازير فأعطت انطباعاً بأنها بعيدة عن عالم السياسة. أما على صعيد السيدات اللواتي ترشحن فيقول شهوان: كنّ بحاجة الى التدريب المكثف ليتقنّ هذه اللعبة وقد برزت بينهن عديدات مثل رانيا غيث، ماغي عون لينا حمدان ولينا التنير أما نجاة صليبا فاستطاعت ان تأسر قلوب الناس…
على الصعيد الحزبي لا شك أنه كان لكل حزب نجومه الذين اجتذبوا محبة الناس. ومنهم على سبيل المثال إلياس بو صعب و إدي (إدغار) معلوف عند التيار العوني او زياد حواط وانطوان حبشي وجورج عقيص عند القوات اللبنانية او سامي الجميل والياس حنكش ونديم الجميل عند الكتائب. عند الحزب الاشتراكي يمكن القول إن وائل ابو فاعور هو الأكثر قدرة على التعبير لكنه يستفيض في الكلام اما هادي ابو الحسن فقد أثبت جدارته. في حركة أمل تميزت النائبة عناية عز الدين وطرحت لنفسها حيثية معينة تميزها عن الآخرين أما في «حزب الله» فمرشحوه ذائبون تحت عباءة السيد حسن نصرالله وان تميز بينهم النائب حسن فضل الله.
هل ورثوا كاريزما آبائهم؟
الورثة السياسيون كانوا كثراً في هذه الانتخابات ورثوا المقعد عن أهلهم ربما لكنهم لم يرثوا الكاريزما ذاتها، بعضهم أضافوا إليها والبعض الآخر لم يصل الى مستوى كاريزما الآباء. من آراء الخبراء استخلصنا التالي: نديم الجميل لم يتفوق على والده الشيخ بشير الذي يعتبر ايقونة من أيقونات الكاريزما وإن كان يتمتع بقبول وتعاطف من الناس ولا تيمور جنبلاط استطاع ذلك وكأنه غير مقتنع بعد بدوره السياسي. سامي الجميل تفوق على والده مع أن صوته لا يسعفه، اما طوني فرنجية فقد تخطى والده باتقانه لعبة الظهور الإعلامي والسلاسة في الكلام وكذلك مجد حرب الذي استطاع ان يجتذب اهتمام الجمهور الذي وجد فيه كاريزما تفوق والده والأمر ذاته مع سامي فتفت الذي حصد رضى الجمهور وإعجابه لوسامته وطلاقته فيما عجز ميشال المر عن ذلك ولم يستطع تقديم صورة جدية واثقة.