Site icon IMLebanon

فشل المخطّط

 

يجب أن نتذكر في البداية أن الناس في لبنان عايشوا جميع أنواع المآسي (حروب، فساد…)، ما يجعلهم محصّنين ولامبالين بما يكفي لتحمّل أعلى درجات السخافات التي يواجهونها. لكنهم يكرهون في المقابل إهانة ذكائهم بشكلٍ فاضح، كما حصل عند التلويح بفرض ضريبة على تطبيق “واتساب”. كانت الحكومة غبية بما يكفي كي تعتبر اللامبالاة وقوة التحمل مرادفتَين للتكاسل.

 

في غضون ذلك، أطلق “حزب الله” الاحتجاجات ضمناً، ظناً منه أنه سينجح في إبطال نفوذ حليفه ومنافسه الشيعي نبيه بري (علماً أنه مستاء من معارضة حزبه للرئيس عون)، ومحاصرة الحريري لإجباره على تبني أفكار “الحزب”، والتخلص من حاكم مصرف لبنان وكبح قائد الجيش (كلاهما ينافسان طموحات وجشع جبران باسيل)، وطرح باسيل للرئاسة قبل حرقه في الوقت المناسب لمصلحة خصمه سليمان فرنجية (ثقتهم به أكبر). هكذا يتمكن عناصر “حزب الله” من فرض قواعد اللعبة بناءً على الثلاثي نصرالله وعون والحريري، ما يعني أن تفرض إيران سيطرة شاملة وكاملة على البلد. لكن لم تتطور الأحداث بالشكل الذي خططوا له نظراً إلى تدهور الوضع القائم ولأن الناس أدركوا أن الكيل فاض بهم.

 

تنتشر على الأرض اليوم القوى التالية:

 

– أغلبية مطلقة من المسيحيين الحياديين (كرهاً بجهل باسيل وغطرسته وجشعه، وبـ”حزب الله”)، ومناصرو “القوات اللبنانية” وأحزاب مسيحية أصغر حجماً.

 

– أغلبية مطلقة من السُّنة والدروز (مجموعة مستاءة من تقرب الحريري من عون ومن سلوك باسيل و”حزب الله”).

 

– شريحة واسعة ومفاجئة من الشيعة (مجموعة مستاءة من بري، وغطرسة “حزب الله”، وسلوك باسيل).

 

– مجموعة أخرى من مناصري “حزب الله” وبري الشيعة واليساريين الاعتياديين (استُعمِلوا لإطلاق الاحتجاجات وتوجيهها لكنهم ينشطون راهناً لتعطيلها بعد خروجها عن السيطرة).

 

باختصار، يتألف معسكر “الصالحين” من قاعدة شعبية متعددة الطوائف وغير حزبية، ويمثّل ثلثَي البلد على الأقل.

 

مع اتخاذ الوضع منحىً مفاجئاً يتعارض مع خططهم الأصلية، عبّر نصرالله بكل وضوح عن استيائه من نتائج التحرك الذي أطلقه بنفسه منذ لقائه الشهير مع باسيل طوال ست ساعات ونشر أتباعه في الشوارع في الليلة اللاحقة. فأعلن للمتظاهرين صراحةً أن إسقاط الرئيس والبرلمان والحكومة غير وارد.

 

تكلم باسيل نيابةً عن عون وأدلى بتصريح بدا فيه متوتراً، وأنكر الوقائع بكل غطرسة، وأوضح أن البلد لم يعد تحت سيطرة الثلاثي المعروف، وعبّر عن رغبة ضمنية في ضم بري. قد يحصل جنبلاط على بعض المنافع الضئيلة لإرضائه، بينما تخلى الجميع عن جعجع.

 

في غضون ذلك، لم يتفوه الرئيس عون بأي كلمة. بناءً على شخصيته المعروفة، لا شك في أنه يعمل الآن لقَلْب النتيجة حتة ولو وصل البلد إلى حافة حرب أهلية .

 

لقد أوضح “حزب الله” للحريري وبري وجنبلاط وجميع الأفرقاء الآخرين ضرورة ألا يتغير شيء وإلا…

 

ثمة خطوتان محتملتان من جانب نصرالله وعون:

 

استرجاع كامل السيطرة: إنكار المسؤولية بالكامل ولوم جعجع وجنبلاط والولايات المتحدة وإسرائيل على الوضع القائم. قد يدعو عون مناصريه (ومناصري “حزب الله”) إلى الشوارع، بما يشبه التظاهرات المضادة في العام 2005، وقد يهدد سلامة المحتجين (عن طريق عناصر حكومية أو مندسين) كي يشعروا بالإحباط ويتفرقوا تمهيداً لاسترجاع السيطرة الكاملة على البلد.

 

العودة إلى نقطة البداية: اقتراح بعض “الإصلاحات” لحفظ ماء الوجه من دون تغيير البنية السياسية، ولكسب الوقت حتى نسيان المطالب (إنها الخطة الاحتياطية التي يعوّل عليها عون والحريري على الأقل). وإذا لم تنجح هذه الخطة، يمكن اللجوء إلى تهديد سلامة المحتجين لإحباطهم وتفريقهم.

 

نتيجتان محتملتان:

 

نزع فتيل الأزمة: قد يقرر “الصالحون” العودة إلى منازلهم واستئناف حياتهم العادية خوفاً على سلامتهم، فيتركون الشوارع للعصابات، وتفرض الحكومة سيطرتها على الأرض، وتدّعي أنها سجنت بعض المشاغبين وتثبت بذلك أن التحرك انطلق بتحريض من عملاء وانتهازيين خارجيين ضللوا “المواطنين من أصحاب النية الحسنة”. هذا ما سيحصل إذا لم يحرك المجتمع الدولي (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا) ساكناً.

 

الاستمرار وتوسيع نطاق التحرك: قد يتفوق الناشطون بذكائهم على الحكومة ويتمسكون بموقفهم. من المتوقع أن تؤجج التصريحات الفوقية لنصرالله وعون وباسيل رغبتهم في الاستمرار، كما حصل حتى الآن. حتى أن تهديد سلامة المحتجين بطريقة شائبة قد يزيد جرأتهم. هذا ما سيحصل إذا تحرك المجتمع الدولي (الولايات المتحدة، بريطانيا، فرنسا).

 

أمام الحريري خياران: تغيير تحالفاته أو الانصياع لنصرالله وعون ومواجهة مصيرهما.

 

سواء اتخذت الأوضاع منحىً دموياً أو لم تفعل، ومع تدخل المجتمع الدولي أو من دونه، يراهن الكثيرون على غرق الحريري وتوسّع الاحتجاجات مع زيادة خطابات نصرالله وباسيل.