ليس اليوم التالي للتمديد لقائد الجيش الا استكمال الحلقات. مشكلة تخلف اخرى. يعود الاستحقاق الرئاسي الى واجهة الحدث بزخم اوفر واحتدام لن يكون قليل الاهمية، دونما ان يبدو بالضرورة وشيكاً، ولا على صورة جلسة التمديد بالاصطفافات التي رافقتها
بالتمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون سنة بقانون في مجلس النواب، تكون قد طويت مرحلة منهكة بالسجالات، لتفتتح مرحلة اخرى قد لا تقل عنها اضطراباً. بعد الآن، تبعاً لأصحاب الحجج المساقة للقول بالتمديد، لا مبرر للحديث عن قلق على قيادة الجيش، ولا ادخالها في الانقسامات السياسية الداخلية، ولا حتماً التهويل بانقسامها او اهتزاز وحدتها او تضعضع إمرتها. اما المرحلة الجديدة، فالواضح انها ستدور من حول القائد نفسه في سياق مختلف هو انتخابات رئاسة الجمهورية.تحمل على هذا الاعتقاد اسباب شتى:
اولها، ان احداً لا يتوهم ان الاصوات المؤيدة لعون في مجلس النواب الجمعة هي اختبار رئاسي. لا يزال غامضاً العدد الذي حازه، 66 او 67 او 68 من النواب في القاعة. نجح التصويت على القانون، ومن خلالها على التمديد كخيار سياسي، بالغالبية المطلقة وهو النصاب القانوني لانعقاد الجلسة. كان يمكن ان تحدث مفاجأة في اي لحظة بأن يُوعز الى ثلاثة نواب بالانسحاب كي يُطيّر النصاب القانوني. لم يشأ حزب الله ان يُقدم بعدما حضر عدد من نوابه وليسوا كلهم، وعدد من حلفائه. وحده كان الاقدر ان يفعل نظراً الى غموض موقفه من التمديد لقائد الجيش، في لحظة التصويت حتى. ما يصحّ قوله ان معظم مَن كان في القاعة ايّد التمديد بمَن فيهم ضمناً نواب الحزب الحاضرون ما ان لبثوا فيها.
افصح ذلك عن ان حزب الله رَامَ قدماً في الفلاحة واخرى في البور: ارسل الى عون رسالة مفادها انه غير متحمس للتمديد له، لكنه لن يعرقله. ما يُسمع من مسؤولي الحزب انهم لم يلمسوا مرة خطأ جسيماً ارتكبه القائد معهم في ادائه العسكري على رأس الجيش وعلاقته بالمقاومة. الا ان الموقف ليس كذلك في السياسات التي يتبعها في الداخل ومع الاميركيين خارجياً.
ثانيها، من الآن فصاعداً يمكن ان يدرج القول ان امام الاستحقاق الرئاسي مرشحيْن اثنيْن فقط لكل منهما مواصفات لا تشبه الآخر، ولكل منهما حلفاء لا يملكون ايصال اي منهما الى الرئاسة دونما التخلي عن احدهما. المفيد ايضاً، في ضوء التمديد الاخير لقائد الجيش، اتضاح ما كان لا يزال مشوباً بالغموض والالتباس بازاء المتحمسين لوصوله الى الرئاسة: الثنائي الشيعي لا يتخلى عن النائب السابق سليمان فرنجية ما لم يتخلَّ فرنجية بنفسه عن ترشحه. من دون الثنائي لا حظ لأي مرشح آخر بما فيهم عون في الوصول الى المنصب اياً تكن الاحجام التي تقف وراء ترشيحه. ان يُمسك الثنائي الشيعي بأصوات نواب الطائفة (26+1) كاف لمنع انتخاب الرئيس.
في المقابل، في معزل عن اهمية الاصوات التي حازها قائد الجيش في مجلس النواب وعددها ودلالاتها، كشفت الحملة التي ادارت في الايام الاخيرة السابقة لجلسة البرلمان، بوضوح وواقعية، عن مروحة عريضة من المؤيدين، على الاقل لبقائه في منصبه حالياً كي يستمر مرشحاً، بدأت بالدول الخمس، مارة ببكركي والكتل المسيحية، وصولاً الى العامليْن الاكثر فعالية في الخاتمة السعيدة وهما كتلتا النواب السنّة – كأنها ابصرت النور للمرة الاولى منذ انتخابات 2022 – والحزب التقدمي الاشتراكي. لهؤلاء باستثناء بكركي موقف سلبي من ترشيح فرنجية على نحو لا يؤهله لحصوله على اصواتهم، من غير ان يكونوا احصنة وصول عون الى رئاسة الجمهورية.
ثالثها، ما انتهت اليه جلسة الجمعة بالتمديد لقائد الجيش سوى انه اكثر من محظوظ، ان الخاسر الفوري لما حدث هو التيار الوطني الحر ورئيسه النائب جبران باسيل. لكن الخاسر اللاحق يُفترض ان يكون الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. عندما وافق على بقاء عون في منصبه، اقرنه بتعيين رئيس للاركان. اولى المحاولات في مجلس الوزراء على نحو يقضي بتأجيل تسريح عون وتعيين العميد حسان عودة رئيساً للاركان. منذ عشية جلسة مجلس الوزراء الخميس، التعليمات التي تزوّدها وزيرا تيار المردة جوني قرم وزياد مكاري وحليفهما الوزير جورج بوشكيان من فرنجيه الموافقة على تأجيل تسريح عون ورفض تعيين رئيس للاركان.
ثمة قلوب مليانة بين الزعيمين الماروني والدرزي. امتعض فرنجية من اعلان جنبلاط اكثر من مرة انه ضد ترشيحه. تردّت اخيراً علاقة الوارثين طوني وتيمور بعدما افصحا مراراً عن صداقة شخصية تجمع بينهما. جال تيمور جنبلاط على معظم القيادات ما خلا طوني فرنجية ووالده. ما تردد اخيراً بعد جلسة مجلس النواب ان الخطوة التالية المكملة للتمديد لقائد الجيش، تعيين رئيس للاركان في مجلس الوزراء. قال البعض انها في جلسة اليوم. الواقع ان التعيين بات يصطدم بمعضلتين:
1 – اقتراح وزير الدفاع موريس سليم بناء على استطلاع قائد الجيش لتعيين رئيس للاركان عملاً بالمادة 21 في قانون الدفاع. ذلك ما لا يمكن توقّع حصوله، خصوصاً بعد الضربة القاصمة التي تلقاها باسيل ببقاء قائد الجيش على رأس المؤسسة العسكرية. من دون اقتراح الوزير المختص يتعذر التعيين. ما لم يعطه الوزير للقائد على انه صلاحيته المنفردة، لن يعطيه لرئيس الاركان في مجلس الوزراء.
معضلتا تعيين رئيس للاركان: توقيع الوزير وموافقة فرنجية على اكمال النصاب
2 – نصاب الثلثين في مجلس الوزراء للتعيين. المؤكد الآن ان فرنجيه لا يزال رافضاً تعيين رئيس للاركان. في غياب قرم ومكاري وبوشكيان لا نصاب ثلثين. بذلك اضحى فرنجية، اكثر من اي وقت مضى، كالثنائي الشيعي او احدهما، يُمسك بنصاب اجتماع حكومة تصريف الاعمال والتصويت لتعيين عودة. ربما مفتاح الوصول الى تعيين رئيس للاركان مبادرة ما من جنبلاط الاب الى فرنجيه الاب.
بعدما اضحى للجيش قائد لسنة جديدة، لم يعد تعيين رئيس للاركان ذا اهمية ملحة واهتمام كما في الايام السابقة، ابان الاحاديث عن تعذر استمرار عون في منصبه والتفكير في تدارك تقاعده بتعيين رئيس للاركان. الكلام من الآن فصاعداً عن رئيس للاركان بات مرتبطاً بملء الشغور في المقاعد الثلاثة في المجلس العسكري (رئيس الاركان نائب رئيس المجلس والمدير العام للادارة والمفتش العام). هؤلاء في مأزق ينتظر موافقة وزير الدفاع ذي الصلاحية والاختصاص في الاقتراح وفق المواد 21 و23 و24 في قانون الدفاع.
مع ذلك، على الطريقة اللبنانية، ثمة زواريب للقانون تتيح تبريره. في 30 ايلول 2016 اصدر وزير الدفاع سمير مقبل مرسوماً رقمه 4068 قضى بترقية العميد ملاك حاتم الى رتبة لواء وكلفه تسيير اعمال رئاسة الاركان الى حين صدور مرسوم تعيينه من مجلس الوزراء، ما لبث ان اصدرته حكومة الرئيس تمام سلام في 6 تشرين الاول 2016 ولم يكن انقضى على تكليفه تسيير الاعمال سوى اسبوع. آنذاك كانت حكومة سلام تدير شغوراً ناجماً عن تعذر انتخاب رئيس للجمهورية، بيد انها كانت حكومة عاملة غير مستقيلة.