بعد ثلاث سنوات على طرح الرئيس الصيني شي جين بينغ مبادرةَ «الحزام والطريق» في 2013، وهي عبارة عن مبادرتين للبناء المشترك؛ الأولى «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير»، والثانية «طريق الحرير البحري للقرن الـ 21» (يشار إليهما اختصاراً بمبادرة «الحزام والطريق»)، يناقش «منتدى الحزام والطريق» للتعاون الدولي في 14 و15 الجاري خطة التجارة والبنية التحتية المقترَحة من الصين لتربط آسيا بأوروبا وإفريقيا. وفي وقتٍ تتطلّع الصين إلى توقيع اتفاقات ومذكّرات تفاهم جديدة ووضعِ خطط تنفيذية، في حضور 18 رئيس دولة وحكومة والأمين العام للأمم المتحدة، تنفي على لسان سفيرها في لبنان وانغ كيجيان نيتَها توسيعَ نفوذها الاستراتيجي والسياسي عبر ذراعها الاقتصادية، على حساب الولايات المتحدة.
ينفي السفير الصيني في لبنان سعيَ بلاده من خلال مبادرة» الحزام والطريق» إلى توسيع نفوذ الصين الاستراتيجي والسياسي على حساب أميركا، مُشدّداً على أنّ الهدف من المبادرة «إيجاد منصّة دولية لتعاونٍ اقتصادي، وتنشيط التجارة البينية بين الدول، وتدعيم التجارة الحرّة، ودفعُ العولمة الاقتصادية المتعدّدة الأقطاب».
ويستشهد في مقابلة مع «الجمهورية» بمثلٍ صيني ليقول: «البعض يحاول قياس الآخرين انطلاقاً من عقليته الضيّقة»، مؤكّداً أنّ «الصين لا تسعى إلى الهيمنة ولا إلى مناطق نفوذ».
ويُذكّر بأنّ هذه هي المرّة الأولى التي تطرح فيها الصين مبادرة إقليمية ودولية في شأن التعاون الاقتصادي، وهي تحتاج إلى تشاور وتنسيق مع جميع البلدان، فخلال السنوات الثلاثة الماضية تمّت مراجعة الخطوط العريضة والآليات لتنفيذها، على أن يجري العمل على تطويرها مستقبلاً، من دون أن يُغفل الأزمات الإقليمية والبؤَر الساخنة، ولا سيّما في منطقة الشرق الأوسط والتي تؤثّر على تقدّم هذه المبادرة.
ويوضح بأنّ هذه المبادرة تتضمّن عدة محاور، منها «ربط السياسات الاستراتجية التنموية لكلّ بلد وتطوير البنى التحتية وتنشيط التجارة البينية بين هذه الدول، لتربط آسيا بأوروبا وإفريقيا، وتشجيع الاستثمارات والتواصل الإنساني».
ويقول كيجيان: «وجَدنا أنّ مستويات التنمية في البلدان متفاوتة، وهناك عقبات تواجه الاقتصاد العالمي الذي لم ينتعش بعد الأزمةِ الاقتصادية في عام 2008، منها طرحُ وضعِ عراقيل وحواجز على التجارة العالمية التي تخالف مبدأ العولمة، ويجب أن نتغلّب عليها»، مشيراً إلى أنّه هناك من «يريد الرجوع إلى الانعزالية والتخلّي عن الاقتصاد الحر والتجارة الحرّة».
ويشدّد على أنّ هذه المبادرة تختلف عن المبادرات التي طرِحت في السابق من قبَل بعض الأطراف التي تهدف إلى السيطرة، كونها تدعو إلى العمل وتضافرِ الجهود من قبَل الأطراف المعنية، وتحقيق الرفاهية والنمو الاقتصادي للجميع، من خلال التشاور والتنسيق بين السياسات لكلّ بلد، والتمتّع بمنجزات نجاحها وتقاسُم الثروات.
ويقول: «نريد تعاون جميعِ الأطراف وتحقيقَ المنفعة للجميع، وليس السيطرة من طرف على آخر، أو لعبة كسبِ طرف على حساب آخر».
ويوضح أنّ هذه المبادرة الاقتصادية «ليست مُغلقة وليس هناك شروط للانضمام إليها أو قيود جغرافية أو سياسية، وقد لاقت ترحيباً واسعاً من أكثر من 100 دولة، فلكلّ من يريد الانضمام، أهلاً وسهلاً، ويمكننا الاستفادة من تبادلِ الخبرات والتجارب».
فعلى سبيل المثال، «الولايات المتحدة واليابان قامتا بمشاريع اقتصادية كثيرة في العالم العربي، يمكن أن نستفيد من هذه الخبرات، بالتعاون معهما لتحقيق المنفعة والكسب للجميع»، يتابع كيجيان.
ويعيد السفير الصيني التذكيرَ بأنّ بلاده تولي الدوَل العربية التي كانت تقع على خط طريق الحرير القديم، بما فيها لبنان، أهمّية كبيرة. ويقول: «نجد أنّ العالم العربي يقع في قلبِ حزام اقتصادي لطريق حرير جديد، وهناك مجالات واسعة للتعاون مع دول الخليج وإفريقيا، ولا سيّما في مجال الطاقة والبنى التحتية، وقد تمَّ بحثُ ذلك خلال الاجتماع الوزاري لمنتدى التعاون الصيني العربي في العام الماضي».
البنى التحتية اللبنانية
أمّا لبنان، فله مكانة خاصة عند الصين، ويشكّل محطة مهمّة على طريق الحرير القديم، وحلقةً مهمة في مبادرة الحزام والطريق، يؤكّد كيجيان.
ويقول: «إنّ لبنان رحَّب بهذه المبادرة وتَعامل بإيجابية معها، وأبدى رغبتَه المشارَكة بها»، لافتاً إلى أنّ «وزير الثقافة الدكتورغطاس الخوري ورئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر سيُمثلان لبنان في المنتدى».
ويؤكّد أنّ الصين، إلى جانب تقديم المساعدات الاقتصادية والإنسانية إلى المجتمعات المضيفة والنازحين السوريين، «مستعدّة للعمل مع الحكومة اللبنانية والتعاون في مجال التطوير الصناعي وتنشيط التجارة البينية، ودعم المخطط التوجيهي للبنى التحتية»، التي تعرّضت إلى الاستنزاف بسبب أزمة النزوح السوري.
ويقول: «ندرس الآن تقديمَ قروض ميسَّرة لمشاريع البنى التحتية في لبنان».
وفي ظلّ الحديث عن ترويج الصين لخطة تصدير الوظائف المنخفضة الدخل في قطاعات مِثل صناعة الفولاذ إلى بلدان أخرى وتحويل العمّال الصينيين إلى وظائف مرتفعة الدخل، يوضح كيجيان أنّ «صناعة الفولاذ ليست منخفضة الدخل بل هي صناعة متطوّرة وضخمة»، مشيراً إلى أنّ «الصين بعد أكثر من ثلاثين سنة من الإصلاح والانفتاح حقّقت نموّاً اقتصادياً هائلاً، وبات اقتصادها أهمَّ اقتصادات العالم، لكنّه يواجه مشاكل كبيرة، ولا سيّما في مجال التنمية المستدامة».
ويقول: «إقتصادنا يعتمد على الاستثمار وتوسيع حجم الإنتاج على المستوى الأفقي، نتيجةً لذلك أصبحت الطاقة الإنتاجية هائلة جداً، المكوّن الصناعي في الاقتصاد الصيني يشكّل أكثرَ من 50 في المئة، بينما قطاع الخدمات أقلّ من المستوى المفترض، ونسعى إلى خفضِ طاقات الإنتاج والارتقاء بمستوى الصناعة الصينية لتصبح أكثرَ تطوّراً وحداثة، وزيادة قطاع الخدمات».
ويوضح أنّ «الصين لديها طاقة فائضة للإنتاج، في مجال الحديد والفحم على سبيل المثال، وهذه الطاقات الإنتاجية ليست بالضرورة طاقات متخلّفة، لكنّ التركيز يتمّ الآن للارتقاء بمستوى الصناعة والاختراعات وتحديث القطاعات الأكثر تطوّراً في العالم، وهي حقّقت إنجازات في مجالات الصناعات العسكرية والطائرات والسفن والمعلوماتية».
ويلفت إلى أنّ «اقتصاد الصين يختلف عن بلدان أخرى، فكلّ مقاطعة لديها خطة اقتصادية خاصة بها، وتريد صناعات متكاملة، لكن على نطاق الدولة قد تفوق الطاقة الإنتاجية الطلبَ الداخلي وحتى العالمي».
أمام هذا الواقع، يجد السفير الصيني أنّ «خفض الإنتاجِ ضروري لرفع الجدوى الاقتصادية».
ويشير على سبيل المثال، إلى «أنّ البلدان التي تقع غرب الصين يعاني معظمها من تدنّي مستويات الإنتاج الصناعي، ولديها نقصٌ في البنى التحتية، وهناك إمكانية لتحقيق التكامل الاقتصادي بين الصين وهذه الدول، التي تحتاج إلى تحديث صناعاتها وتمويل واستثمارات وبنى تحتية».
ويقول: «إذا أردنا نموّاً مستداماً، يمكننا التعاون وتحقيق التكامل، وهذا سيشكّل مساهمةً كبيرة للاقتصاد العالمي، فالهدف ليس نقل الصناعات إلى دول أخرى. وفي لبنان تحديداً، إذا كانت هناك حاجة إلى مصنع فولاذ، ولدينا مصنع جاهز يمكن نقلُه إلى هنا، فهذا يفيد الطرفين»، مشيراً إلى أنّ «تكاليف الإنتاج واليد العاملة في الصين ترتفع سنةً بعد سنة، وهذا سيؤدي إلى صناعة ذات عائدات أقلّ، ويمكن لهذه الشركات، بدل المجيء الى الصين، نقلُ المصانع الى بلدان مِثل دول جنوب شرقي آسيا بكِلفة أقلّ».
مناطق خفض التصعيد
سوريّاً، لا شكّ في أنّ الحرب المستعرة تُرخي بظلالها على اندفاعة المبادرة الصينية، ويبقى السبيل الوحيد لإنهاء الأزمة التي دخلت عامها السابع، حلٌّ سياسي تدعمه وتؤمِن به بكين.
ويشدّد السفير الصيني على أنّ بلاده تؤيّد وتشجّع بقوّة مناطق تخفيف التصعيد في سوريا. ويقول: «إنّ الهدف من مناطق وقفِ التصعيد وقفُ العنف، تمهيداً لعملية سياسية، وهذا ما نسعى إليه منذ البداية، علينا وقفُ العنف ومحاربة الإرهاب وإيصال المساعدات الإنسانية وحلُّ الأزمة عبر المفاوضات، وتهيئة الظروف لانتقال سياسي».
غير أنّ نشر قواتِِ صينية على الأرض في مناطق تخفيف التصعيد الأربعة «ليس مطروحاً الآن»، على رغم أنّ الصين سبقَ وشاركت في الـ 2012 بقوات تحت راية الأمم المتحدة. و»اليوم، الصين مستعدّة لتكرار التجربة، إذا كان للمنظمة الدولية الدور الرئيسي في حماية هذه المناطق»، يختم كيجيان.