IMLebanon

الخيار بين اغتيال البغدادي و احتلال الموصل!

لم يحدث في تاريخ الأنظمة السياسية أن نشأت دولة فوق قطعة جغرافية واسعة مجتزأة من سيادة دولتين تاريخيتين عريقتين… مثل تنظيم الدولة الاسلامية.

لم يحدث في تاريخ الدول – قديمها وحديثها – أن إمتد نفوذ هذه “الدولة” المصطنعة الى أبعد من حدود أوروبا في مرحلة زمنية قصيرة بدأت في صيف 2014 باحتلال مدينة الموصل العراقية.

كما لم يحدث في تاريخ جمهوريات الرعب أن أقيم تنظيم وحشي يماثل تنظيم “داعش” الذي يتغذى من قسوة الارهاب وغزارة الدم، متجنباً عن قصد ممارسة القيم الأخلاقية العادلة.

ومع أن أبا بكر البغدادي أعلن أنه هو الخليفة المولج بقيادة هذا التنظيم، إلا أن الأحداث أثبتت وجود قيادة جماعية تتألف من حوالى مئة ضابط عراقي سابق موزعين على مختلف المناطق. ولقد وافقوا على استبدال اسمائهم بأسماء جديدة تبعدهم عن الانتماء الى قوات صدام حسين، والى فرع الاستخبارات بالتحديد. وقد استمالهم في ادارة التنظيم الاعلان بأن “داعش” يشكل مشروع نواة دولة سنيّة تمثل ما نسبته عشرين في المئة من عدد سكان العراق. ومن المؤكد أنهم تخلوا عن توجهاتهم العلمانية السابقة، واندفعوا في إخلاصهم للتنظيم إنتقاماً من واشنطن التي دمرت حليفها العراقي السنّي، وانحازت لمصلحة حليفها الايراني الجديد.

إضافة الى هؤلاء الضباط الذي صرفهم بول بريمر الحاكم الاميركي من الخدمة، فقد إنضمت الى “داعش” مجموعات شبان قدِّر عددها، قبل أربعة أشهر، بأكثر من ثلاثة آلاف.

وقال جيل كيرشوف، المنسق الاوروبي لمكافحة الارهاب، إن عدد الجهاديين الاوروبيين الذين توجهوا الى سوريا والعراق للقتال قد إرتفع. والسبب يعود الى الانتصارات التي حققها “داعش” ضد خصومه الذين إستبدَّ بهم عامل الخوف والذعر. ومن الممكن أن يكون هذا الارتفاع ناجماً عن تقدم تنظيم الدولة الاسلامية على الأرض، وإعلان الخلافة في المناطق التي سيطر عليها.

وعلى خلاف “القاعدة”، فان الدولة الاسلامية تبسط سيادتها على إقليم تابع لها فوق أرض العراق وسوريا. في حين تبحث “القاعدة” عن موطىء قدم بعد خروجها من أفغانستان وباكستان.

وهناك سبب آخر للتمايز بينهما، ينحصر في الهوية المذهبية التي حددتها “الدولة الاسلامية” لمواطنيها باسم “سنّي-ستان”. وعليه، فهي تستقطب سنّة العالم لتجنيدهم في حربها الشرسة ضد الشيعة والكرد والعلويين والمسيحيين (الأقباط) واليزيديين والبهائيين وسواهم.

منتصف هذا الشهر، دعت واشنطن الى عقد مؤتمر موسّع يضم ستين دولة، وذلك بهدف مناقشة موضوع مكافحة الارهاب، وتشكيل تحالف عسكري يوقف تمدد الدولة الاسلامية.

وتناول المشاركون في المؤتمر عدة قضايا مهمة بينها خيار إحداث صدمة كبرى توقف نشاطات هذا التنظيم الطاغي. واقترح البعض التركيز على إغتيال الزعيم أبي بكر البغدادي، باعتباره الرمز المعنوي لكل المواجهات.

وإعترض البعض الآخر بحجّة أن إغتيال أسامه بن لادن لم يوقف نشاط “القاعدة”. لهذا أجمع الحاضرون على أهمية إجتياح الموصل، كونها تمثل العقل المدبر لكل العمليات الارهابية.

العسكريون المشاركون في المؤتمر تحفظوا عن هذا الاقتراح لسببين: الأول: لأن الجيش العراقي غير قادر على تحقيق هذا الهدف، ما لم تدعمه قوات برية عربية أو أجنبية.

الثاني: لأن الحكومة العراقية ترفض تدخل القوات الاميركية، خوفاً من الحشود الشعبية التي تعتبر هذه الموافقة مدخلاً لعودة جيش الاحتلال.

حيال هذا المأزق العسكري، إتفق الجميع على ضرورة إقفال الحدود التركية مع حدود الدولة الاسلامية، بهدف وقف تسلل المتطوعين الأجانب.

ويقرّ الرئيس التركي رجب طيب اردوغان بعدم ممانعته تأمين حراسة مكثفة على حدود يقدر طولها بتسعمئة كلم. ولكنه رهن مشاركة تركيا بضرورة موافقة الدول الاقليمية الأخرى. وكان بهذا التلميح يشير الى دور ايران السلبي في العراق. أي أنها لا تقبل بتسليح الميليشيات السنيّة ولو كانت معارضة لـ”داعش”. ولا تقبل بدخول قوات أجنبية الى بغداد ومحيطها من أجل المشاركة في التحرير. وفوق هذا وذاك، فهي ترفض حشد قواتها البرية والجوية بطريقة تقود الى طرد الدولة الاسلامية من العراق وسوريا.

وكان اردوغان، بتلميحه السافر، يشير الى الدول العربية السنيّة التي شاركت في صنع الدولة الاسلامية مثلما فعل هو.

ويقول المراقبون إن تركيا ساهمت بصورة عملية في تمرير المقاتلين والأسلحة، مثلما فعلت سوريا بعد إسقاط النظام العراقي. ذلك أنها كانت تسمح بمرور المتطوعين الى العراق من أجل محاربة الجيش الاميركي.

بعد إسترداد قوات البشمركة مدينة كوباني (عين العرب) برزت كردستان على ساحة الدفاع كعنصر مؤثر في معارك الفصل. ولكنها اشترطت دعمها بسلاح اميركي ثقيل كالمدرعات والمركبات المحصنة والمدافع.

وترددت واشنطن في تأمين هذا العتاد لاعتبارات سياسية تتعلق بضرورة الحفاظ على وحدة العراق، وعدم معاملة كردستان كدولة مستقلة. وفي هذه الحال، لم يعد أمام التحالف الدولي، الذي رعته الادارة الاميركية، سوى الاتكال على الجيش العراقي النظامي من أجل تنفيذ هذه المهمة الصعبة. خصوصاً بعدما فشلت عمليات القصف الجوي في تغيير سيطرة “داعش” على الأراضي التي احتلها.

والثابت أن تفكك الجيوش النظامية، بسبب “الربيع العربي”، قد ساعد الدولة الاسلامية على التمدد والسيطرة. كذلك عزز الفراغ القائم نمو قوى بديلة أخذت أدوار الجيوش المنهارة في سوريا وليبيا واليمن والعراق. وكان من الطبيعي أن تعزز الفوضى المستشرية في الجسم السياسي العربي صعود الجماعات الارهابية والميليشيات المسلحة والجيوش المذهبية.

ومع تنامي تدفق الشبان والشابات الأجنبيات للالتحاق بتنظيم الدولة الاسلامية، أعلنت انقرة أنها شددت تدابير المراقبة على حدودها مع سوريا. كذلك ذكرت أنها سجلت قائمة تتضمن أسماء عشرة آلاف شابة وشاب ينتمون الى جنيسات أجنبية. وبحسب تقرير الأمن العام، فان عمليات الدخول من دون تأشيرة أدت الى طرد أكثر من ألف شخص.

وبعد الضجة التي أثارتها حادثة سفر الطالبات البنغلاديشيات من لندن، حرصت الصحف على إستيضاح علماء النفس، حول الأسباب العميقة التي تنعش هذه الظاهرة.

وذكرت صحيفة “إندبندنت” أنها وجدت الجواب في كتاب نشرته كارن كامبرز تحت عنوان: نساء في صفوف العصابات. وتروي كارن سلسلة وقائع عن نساء غادرن منازلهن للانضمام الى صفوف المقاتلين في كوبا وفيتنام وهندوراس.

وفي تحليل نشرته الباحثة الاجتماعية نورا جبران ما يفسر جذور التوجه والاعجاب بالمتطرفين، ولو أنهم يشكلون صورة للارهاب والعنف السياسي.

وربما تكون الأعمال الوحشية التي يرتكبها مجندو هذا التنظيم من ذبح وإحراق، هي الدافع لجذب المهووسين الذين يبهرهم تحدي الأنظمة، والتصدي لدول أثبتت عجزها عن تطهير العالم من هذا الوباء المقيت.

يقول المحلل البريطاني باتريك كوكبرن في كتابه: “داعش… وثورة السنّة”، إن هذا التنظيم سيستمر قوياً، وطاغياً، ما دامت الدول الكبرى والصغرى عاجزة عن وضع خطة متكاملة لانقاذ العالم من شروره وسيطرته على أرض في حجم أرض المملكة المتحدة.

وهو يؤمن بأن الدول التي ساهمت في خلق “داعش” ليس لها مصلحة في إزالته من الوجود، ولو أنه تمادى في إقتراف المحرمات، وتنفيذ عمليات الذبح والحرق والتعذيب!