الإنشطار العامودي الذي حصل في البرلمان خطير لكنه لن يُغيِّر في التحالفات
هل تنسحب مناخات الجلسة التشريعية الأخيرة على أجواء جلسة تفسير الدستور في 17 تشرين؟
من حظ اللبنانيين أن الجلسة التشريعية التي انعقدت الثلاثاء الفائت في ساحة النجمة لم تكن منقولة مباشرة على الهواء، وإلا كانوا شاهدوا مسرحية طائفية من الطراز الأول حيث انشطر نواب الأمة عامودياً تحت قبة البرلمان على خلفية مشاريع مناطقية يُراد من ورائها رفع المنسوب الشعبوي لدى الذين انخرطوا في السجال الذي استخدمت فيه العبارات العالية التي إن دلت على شيء فإنها تدل على نفوس مشحونة وجمر تحت الرماد من الممكن أن يظهر عند هبوب أي ريح.
لقد كشفت مداولات الجلسة التي احتاج رئيس المجلس نبيه برّي إلى بذل جهود غير عادية لضبط ايقاعها والحؤول دون انفلات الأمور من عقالها في هذه الظروف العصيبة، الواقع السياسي غير الصحي والقابل إلى الانفجار عند أي محطة، وتكمن خطورة ذلك بروز انقسام نيابي طائفي ومذهبي لم تعتد الساحة البرلمانية مثله منذ زمن طويل لما يحتم التنبه إليه والعمل على عدم تجذره لما له من مخاطر كبيرة ليس على الساحة البرلمانية وحسب بل على المشهد اللبناني برمته.
صحيح أن الانقسام السياسي موجود رغم حياكة تحالفات من هنا وهناك، لكن ما يبعث على الخوف هو أخذه هذه المرة طابع الحدّة، واللعب ليس على الوتر المناطقي وحسب إنما على الوتر المذهبي أيضاً، وهذا أخطر سلاح في وطن يقف على «شوار» لا يحتاج معه لمن يهزه لينزلق في آتون الصراعات.
من رصد ما جرى في القاعة العامة شعر وكأن هناك اتجاه لدى مختلف القوى السياسية بأن الساحة فيما يبدو قادمة على متغيرات في خارطة التحلفات السياسية بعد أن جمعت المشاريع ذات البعد المناطقي الطائفي الأضداد، فعلى سبيل المثال توحد «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» ومعهما حزب الكتائب مقابل «أمل» و«المستقبل» و«حزب الله»، إلا أن مصادر مطلعة قلَّلت من حجم ما حصل وأكدت أن الكباش الذي حصل داخل الحلبة البرلمانية هو أمر طبيعي، وهو بالتأكيد لن يؤثر على التحالفات الموجودة التي لا يُمكن أن ننفي وجود خلافات إنما تبقى خلافات منظمة تراعي الواقع السياسي الذي لأجله حيكت هذه التحالفات.
وتجزم هذه المصادر بأن التوافق الذي برز بين «التيار الحر» و«القوات» والكتائب في مواجهة سحب مشاريع إنمائية تطال منطقة جبل لبنان لا يُمكن أن يتطور في اتجاه تحالف سياسي حيث أن القاصي والداني يعلم علم اليقين بأن ما جرى هو توافق مرحلي يتعلق بمصالح انتخابية، حيث أظهر كل فريق نفسه بأنه المدافع الأوّل عن المشاريع الإنمائية للمسيحيين، مع العلم بأن المشروع الذي سحب كان يشمل إضافة إلى جبل لبنان مشاريع في إقليم الخرّوب وصور والبقاع.
وفي رأي هذه المصادر أن «التيار الوطني» أصيب بأكثر من نكسة داخل هذه الجلسة، وكانت أبرز النكسات سقوط اقتراح رئيس «التيار» الوزير جبران باسيل الرامي إلى إلغاء الفقرة الأخيرة من الماد 80 من الموازنة الرامية إلى تجميد توظيف الناجحين في مجلس الخدمة المدنية بحجة عدم وجود ميثاقية وخللٍ في التوازن، وهذا الأمر كان مدار جدل سياسي تحول إلى طائفي وهو ما أدى إلى توجيه رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب عبر الرئيس برّي رسالة تطالبه بتفسير المادة 95 من الدستور المتعلقة بوظائف الفئة الأولى، والتي حدّد في موجبها الرئيس برّي جلسة لمناقشتها في السابع عشر من تشرين الأوّل المقبل مع بداية العقد العادي والتي يُمكن أن يتكرر معها المشهد السياسي نفسه الذي حصل في الجلسة التشريعية الأخيرة والتي لم تألفها الساحة الداخلية منذ العام 2005.
وتؤكد المصادر بأن التحالف المسيحي الظرفي الذي شهدته ساحة النجمة لن يؤدي بطبيعة الحال إلى تحالفات استراتيجية على غرار ما هو قائم بين «التيار» و«حزب الله»، حيث أن ما يفرِّق «القوات» عن «التيار الوطني» أكبر بكثير مما يجمعهم، وهو ما يجعل مسألة تحالفهما من سابع المستحيلات على الرغم من الاتفاق الذي حصل بينهما في معراب والذي تعرض إلى الكثير من القصف من الجانبين ووصل في بعض الأحيان إلى مرحلة النعي والسقوط من قبل الجانبين، ويسري هذا المشهد ذاته على الكتائب التي تموضعت في الأصل في دائرة المعارضة.