Site icon IMLebanon

المثالثة دُفنت وانتخاب الرئيس تكريس للدور المسيحي

 

الوجود المسيحي راسخ

 

تشهد المنطقة تغيّرات وتحوّلات استراتيجية واستثنائية منذ حوالى نصف قرن. سقط نظام بشّار الأسد ومعه تهاوت كل نظرياته أو “الموبقات” التي حاول عبرها تكريس قبضته على سوريا وأبرزها “حلف الأقليات”.

في لبنان لا أكثرية ولا أقلية، وإذا كان البعض يرى المكوّن المسيحي أقلية، فهذه النظرية ساقطة لأن التجارب أظهرت مدى صلابة الطروحات المسيحية وأبرزها سيادة لبنان واستقلاله وبناء دولة قوية باتت مطلب جميع المكونات.

 

حاول “حزب الله” والنظام السوري جرّ المكوّن المسيحي إلى خطّ تاريخي ليس بخطه، وتم تخييره بين موالاة هذا الخطّ أو التخوين. في عهد نظام بشار الأسد كان أتباعه يهددون المسيحيين بالعددية وإلغاء الطائفية السياسية، في كل مرة كانوا ينادون بانسحاب جيش الإحتلال من بلدهم.

 

ورث “حزب الله” “تركة” نظام الأسد، وباتت المثالثة هي السلاح الذي يهدد فيه المسيحيين، وبعد سقوط الأسد في سوريا وهزيمة “حزب الله” في لبنان، سقط محور “الممانعة” ولم يعد أحد قادراً على تهديد أحد.

 

يعيش المكوّن المسيحي فترة مراقبة، فسقوط نظام الأسد أراحه سياسياً، أما خسارة “حزب الله” فليست سياسية وعسكرية فقط، بل وجودية، من خلال مشروعه الديموغرافي لخرق المناطق المسيحية عبر التوسع وشراء الأراضي وربط المناطق الشيعية بعضها ببعض.

 

تساوت الطوائف بالنكسات، وخسارة “الشيعية السياسية”، وليس الشيعة، قد تكون الأقسى. لم يعد هناك من فريق أو طائفة مسيطرة، وانهارت مع انهيار “الشيعية السياسية”، كل أحلام التوسع والسيطرة والمثالثة، خصوصاً أن “الشيعية السياسية” بنسختها الحالية كانت في خدمة إيران وقد دفع شيعة لبنان الثمن الأكبر، ولم تكن في خدمة أهلها ووطنها.

 

وسقط مع هزيمة محور “الممانعة” الطرح الذي حاولت فرنسا تسويقه ويتمثّل بانخراط “حزب الله” في الدولة، مقابل حصول الشيعة على قيادة الجيش، أو تسهيل تسيير الحكم في لبنان وإعطاء “الحزب” مكاسب مقابل استثمارات فرنسية في طهران، فالدور الفرنسي السيّئ والداعم لنفوذ إيران انتهى أيضاً، وبالتالي هذا الدور الذي كان يشكل خطراً على المسيحيين لم يعد مؤثراً.

 

في بكركي تأكيد بأن المثالثة دفنت إلى غير رجعت، وجو مسيحي يجزم بأن المرحلة القادمة هي لبناء دولة عادلة من دون استقواء فريق على الآخر. أما الفاتيكان فقد وسّع مروحة اتصالاته بخصوص لبنان منذ اندلاع الحرب الأخيرة، وتواصل مع الأميركيين وحصل على ضمانات بالحفاظ على الكيان اللبناني بالصيغة التي تضمن الوجود المسيحي من ضمن التنوع اللبناني.

 

ويؤكد الكرسي الرسولي استمرار دعمه لحرية لبنان وسيادته واستقلاله وعدم التفريط بأسس الدولة، وينبع تمسكه من “اتفاق الطائف” ومن باب الحرص على روحية الاتفاق أي المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وعدم المس بصيغة العيش المشترك لأن إقصاء المكوّن المسيحي يعني القضاء على هذه الصيغة الفريدة في الشرق والعالم.

 

يشكّل انتخاب رئيس جديد للجمهورية سواء في 9 كانون الثاني المقبل أو في أي موعد لاحق تثبيتاً للوجود المسيحي على رأس النظام، والأهم هو الرهان على الرئيس من أجل بناء دولة، وبعد انتخاب الرئيس ستملأ الفراغات في المراكز الشاغرة وأبرزها حاكمية مصرف لبنان. وانطلاقاً من كل هذا يتعامل المسيحيون مع المواقع سواء رئاسة الجمهورية أو قيادة الجيش أو حاكمية مصرف لبنان من منطلق وطني وليس من منطلق طائفي، لذلك ستكرّس عودة الرئيس إلى بعبدا زمن العودة المسيحية الفاعلة إلى بناء دولة لبنان وتنهي كل أحلام قضم الحصة المسيحية لمشاريع مرتبطة بطهران أو غيرها من العواصم.

 

دُفنت المثالثة التي كان يُهدَّد المسيحي بها، ودُفنت معها ثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”، وانتقل البحث إلى انتخاب رئيس للجمهورية يعيد للدولة دورها وهيبتها لأن الدولة تحمي الجميع لا السلاح غير الشرعي.