لا يخفى على المتابعين للشأن المسيحي ان امور البيت الداخلي «مش ماشية»، فما وعد العونيون والقواتيون بتطويره ليشمل اكبر مروحة من الاطراف والشخصيات المسيحية لم يجد طريقه الى التنفيذ،بل على العكس فقد عمد فريقي الثنائي الى اقصاء وابعاد وتقزيم الباقين، قبل ان ينتقلا الى مرحلة من المناكفات اليومية دخل معها اعلان النوايا المعرابي غرفة العناية الفائقة، وهو ما تجلى واضحاً في حدث ذكرى مصالحة الجبل الغير مكتملة.
فالمناسبة التي كان يجب ان تؤكد على وحدة الصف المسيحي من باب الضغط غير المباشر على الشريك فيها لاتمامها بالكامل، اتت لتريح «الخصم» بعدما طفى الى السطح ما بقي مخفيا تحت جبل الشعارات، فغاب العونيون متهمين القوات بالسكوت عن «الفخ البروتوكولي»، وقاطع الكتائب استنكارا لسياسة الابعاد، حيث رأت مصادر الصيفي ان بكفيا كانت اول من فتح الطريق الى المختارة غداة عودة الرئيس امين الجميل من منفاه واضعة وثيقة مبادىء انطلقت منها البطريركية المارونية وقرنة شهوان لانجاز المصالحة التاريخية، مذكرة بان القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر كانا جزءا من «القرنة»، لذلك فان ما انجز ليس حكرا لهما على ما يحاولان اظهاره، وهو شأن وطني يعلو على المماحكات السياسية.
اوساط سياسية مسيحية معارضة للتيار الوطني الحرّ رأت في مهرجان «المير امين» وفي دير القمر، احتفالين فلكلوريين، اديا وظيفتيهما في اظهار الانقسام المسيحي في ابهى حلله، بفضل قانون انتخابات نيابية طبخه الثنائي ليتجرع كاسه مع الآخرين، معتبرة ان الاطراف اخطات كثيرا في زمان ومكان اعلان مباشرة اوراق الطلاق لان اي خلل في موجبات المصالحات سيدفع ثمنه المسيحيون، مشيرة الى ان ما حصل عبارة عن تقديم اوراق اعتماد غير مباشرة للنائب وليد جنبلاط ومحاولات شد حبال التحالف من كل طرف لجهته، رغم ما بدا فيه من نصف تحالف جنبلاطي- قواتي، على الحساب العوني، في مواجهة تقارب كتائبي- اشتراكي، عبرت عنه الاتصالات مع بكفيا لوضعها في اجواء ما حصل والتنسيق معها.
وتتابع الاوساط ان القوات اللبنانية التي بدأت تجد نفسها «مزروكة» في اكثر من مكان، بعدما نجح البرتقاليون في انتزاع الحليف الازرق من الاخضر، وعدم نجاحهم حتى الساعة في انجاز «شيء» مع الاصفر نتيجة ساسة السلحفاة المتبعة، تعاني من تهميش واضح لها وعدم معاملة الند للند مع الوطني الحر الذي يجنح نحو احتكار التعيينات وعدم السير بمبدأ الشراكة، وهو ما بينته التعيينات الاخيرة، ما دفع بالبعض الى السؤال عن مصير من ادعى انه «عراب العهد»، متابعة بان القوات اللبنانية ارتكبت خطأ استراتيجيا يوم وافقت على السير بالعماد ميشال عون رئيسا للجمهورية، بدلا من تامين الغطاء لوصول رئيس تيار المردة سليمان فرنجية الذي نجح يومها بفضل حكمة ودهاء احد الامنيين السابقين بان يتحول الى مرشح الرابع من آذار، معتبرة ان تأييد معراب لبنشعي، الاضعف مسيحيا بطبيعة الحال، كان سيجعلها تجني ارباحا اكثر بكثير وتوسيع حصتها من قالب جبنة السلطة، ذلك ان البيك كان بحاجة لغطاء مسيحي وحدها معراب كانت قادرة على تأمينه، مقابل ثمن سياسي ليس اقله فتح الخطوط مع الضاحية وربما ابعد،غير ان الحكيم ارتكب الخطيئة المميتة التي بدأ في تسديد ثمنها.
من هنا ترى الاوساط ان الخلافات القائمة اليوم جوهرها الشروخ والشقوق التي بدأت تظهر في جدار العلاقة بين معراب والرابية ومن خلفها بعبدا،وان المصالح المسيحية لم تكن جدية رغم الحديث عن عدم السماح بتحويل الاختلاف الى خلاف، وهو الغير ممكن بطبيعة الحال في ظل الظروف والتوازنات الحاكمة حالية للبلد نتيجة التطورات الحاصلة اقليمية، كاشفة ان تحالف القوات – المردة – الكتائب – المستقلون وحده الكفيل اليوم في موازنة الثقل العوني بعدما باتت مقاليد الحكم في يد الجنرال،عندها فقط قد يعود شيئ من التوازن الى الملعب المسيحي ومن خلفه الوطني.
واعتبرت المصادر ان التيار الوطني الحر نجح عمليا في اطار الصفقات التي ابرمها من احكام قبضته على السلطة التنفيذية امنها له الحليف السني، ومن موازنة المعادلة مع السلطة التشريعية من خلال التحالف مع حزب الله، فاستعاد الحصة المسيحية في الدولة انما لحسابه تاركا للآخرين ادارة حصصهم وفقا لمحاصصة واضحة بينتها كل التعيينات حتى الساعة وصولا الى الجدل واللغط السائد حول سلسلة الرتب والرواتب.
من جهتها وصفت مصادر قواتية ما يحكى بالتضخيم مطمئنة الى ان التحالف مع الجنرال لن يصل الى الصدام المباشر ، طالما الاتفاق الاستراتيجي بين الطرفين قائم ، والذي يبقى اكبر من مركز من هنا ومحاصصة من هناك، رغم الاختلاف في مقاربة المواضيع والقضايا اليومية في ظل عدم توافر الشروط لتحقيق انجازات في الشق السيادي المحكومة معادلته حاليا بربط النزاع القائم اقليميا بين الاطراف المختلفة الممثلة في الحكومة، رغم اقرارها بصعوبة الانجاز في ظل التحالفات والتسويات القائمة، معتبرة ان الانتقام من وزراء القوات والتضييق عليهم لن يفسد في الود قضية، داعية الى ترقب لقاء بين الجنرال والحكيم عندما يستحق الموضوع ذلك.
وسط كل تلك الصورة، على رماديتها يشدد احد المطارنة المعروف برزانته في مجالسه على ضرورة تطبيق مبدأ «اوعي خيك» لان الخطأ هذه المرة قاتل، متحسرا لعدم اتعاظ المسيحيين من ان في اتحادهم قوة،عاتب على الكنيسة التي لا حول ولا قوة لها، في ظل اقتناع البعض بان وجود الرئيس القوي يلغي دورها الوطني، متحسرا على زمن مصالحة الجبل التي لم تكن لتحصل لولا اتحاد الكنيسة وقرنة شهوان التي مثلت كل المسيحيين السياديين.