“الوطني الحرّ” للتحذير من كوارث المنطق الميليشياوي… و “القوات” للتخويف من حزب الله
تتجاوز المعركة الانتخابية على الساحة المسيحية الحدود، خصوصا التنافس المحموم بين “التيار الوطني الحر” و “القوات اللبنانية”، ويسعى كل طرف من هذين الطرفين الى كسب اكبر عدد من الناخبين مستخدما كل انواع الدعاية السياسية، بالاضافة الى الخطاب الطائفي والشعبوي لتحسين وضعه تمهيدا للمنازلة في أيار المقبل.
ما هي حسابات القوى المتصارعة لكسب الشارع المسيحي؟
سبقت “القوات ” التيار في المباشرة بحملة انتخابية شرسة ترتكز بالدرجة الاولى على التصويت الى التفاهم بين خصمها وحزب الله في محاولة للتأثير والتهويل على الناخب المسيحي، والاستثمار على تخويفه من “سطوة الحزب على الدولة ودوره في عزل لبنان” كما تعبّر اوساط “القوات” مرارا وتكراراً.
وقد بادر رئيسها سمير جعجع شخصيا الى بث تغريدات واطلاق تصريحات في هذا الصدد، محذرا من التصويت لصالح التيار والحزب الذي سيؤدي الى مزيد من الخراب والانهيار على حدّ تعبيره.
اما التيار الوطني الحر فيركز في حملته التي لم تأخذ مداها بعد على أمرين اثنين: التذكير بالنتائج الكارثية للممارسات الميليشياوية لـ “القوات” على اللبنانيين عموما والمسيحيين خصوصا، والتشديد على تفعيل العمل من اجل استرداد الدولة واسترجاع الاموال المنهوبة ومحاسبة المسؤولين عن انهيار الوضع المالي عبر انجاز التدقيق الجنائي بدءا من مصرف لبنان وحاكمه، غامزا من قناة التواطؤ غير المعلن بين جهات سياسية ومنها “القوات” وبين حاكم المصرف. وقد رفع الرئيس عون مؤخراً وتحديداً في الايام القليلة الماضية من وتيرة هذه الحملة ملوحاً كما صرح امس، بقرب كشف هذه الجهات وتحديدها.
ووفقا لمصدر سياسي مطلع، فان حماوة الحملات المتبادلة بين “القوات” والتيار ستشتد في المرحلة المقبلة التي تسبق موعد الانتخابات، لافتاً ان لكل من الطرفين حساباته الانتخابية في السعي الى تحصيل او كسب اكبر عدد من الناخبين المسيحيين، خصوصا اولئك المترددين حتى اليوم او الذين خرجوا من استقطاب مجموعات المجتمع المدني بعد تراجع زخمها والانتكاسات التي ضربتها لاسباب عديدة منها الخلافات المستحكمة والمستجدة بين صفوفها، وضمور التحركات الشعبية بشكل كبير.
ووفقا لاوساط ومصادر “القوات”، فان هناك مؤشرات أولية تعتمد عليها في تقويمها للمشهد الانتخابي الذي ترى انه يميل الى صالحها في الشارع المسيحي بشكل ملحوظ، خصوصا بعد ان تمكنت من تحييد نفسها وخروجها من دائرة السلطة السياسية واستقالة وزرائها مع بدء انتفاضة 17 تشرين، وتؤكد هذه المصادر ان “القوات ” ذاهبة الى الاستحقاق الانتخابي بثقة أكبر، متوقعة زيادة “كتلتها النيابية الصافية” فوق العشرين نائبا بأقل تقدير.
وحسب الاجواء التي تحيط وتواكب حملة “القوات”، فان قيادتها لمعركة “استعادة السيادة” يعتبر عنصراً اساسيا في استقطاب الجمهور المسيحي بنسبة كبيرة، وتستفيد في هذا المجال من عناصر داخلية وخارجية تدعم رفعها هذا الشعار منها موقف السعودية ودول الخليج الذي تجلّى في ورقتها التي نقلها وزير الخارجية الكويتي الى لبنان مؤخراً وتركيزه على النأي بالنفس.
والى جانب ذلك، تحاول “القوات” ان تحتوي كل المجموعات المتفرقة التي ترفع هذا الشعار، شعار السيادة، وتقدم نفسها على انها هي رأس الحربة في هذه المعركة بتفويض غير معلن من السعودية وبمباركة الادارة الاميركية التي تدعم كل نشاط ضد حزب الله أكان من قوى سياسية تقليدية لبنانية ام من بعض الجماعات المحسوبة على المجتمع المدني.
وكما هو الحال قبل اي استحقاق انتخابي نيابي، فان “القوات ” بدأت مؤخرا في تقديم مساعدات مالية واجتماعية مباشرة في بعض المناطق لمحازبيها وانصارها، مبررة ذلك بانه يندرج في اطار دورها الذي لعبته وتلعبه منذ فترة طويلة بعد نشوب الازمة الاقتصادية والمالية للتخفيف من معاناة المواطنين، ولافتة الى انها ليست الطرف الوحيد الذي يقوم بهذا العمل، فهناك اطراف اخرى بل معظمها ينخرط في تقديم مثل هذه المساعدات في مناطق نفوذه باشكال مختلفة.
اما التيار الوطني الحر، الذي واجه ظروفا صعبة منذ اندلاع انتفاضة 17 تشرين، فان مصادره تكرر القول ان التراجع في الشعبية لا يقتصر على التيار، بل يطاول كل الاحزاب والتيارات السياسية في البلاد، لافتة الى “ان الحملات الاعلامية المنظمة منذ بدء الازمة او اشتدادها على رئيس الجمهورية والتيار وتحميلهما وزر هذه الازمة ساهمت في الضغط علينا اكثر من الاخرين، لكننا اليوم بدأنا نسترد قوتنا بعد ان انكشفت هذه الدعاية المعروفة المصادر والاهداف”.
ويقول احد نواب التيار الوطني الحر ان الاحصاءات التي توافرت لديه مؤخرا من مؤسسات وجهات ذات صدقية تظهر ان تراجع شعبية التيار هو تراجع محدود، بعد ان كان سجل نسبة تزيد عن ذلك في مراحل سابقة، متوقعا ان يتمكن التيار في الاشهر الثلاثة المقبلة من تحسين وضعه.
ويعتقد ايضا انه في اقصى الاحتمالات، فان التيار ربما يخسر بضعة مقاعد لا تزيد على عدد اصابع اليد الواحدة، مع العلم ان المتغيرات التي حصلت مؤخرا وانسحاب الرئيس الحريري وتياره من المعركة ستفقد خصومنا اكثر من مقعد على عكس ما تراهن قيادتهم.
وبين حسابات “القوات” وقراءة التيار، يقول المصدر السياسي المطلع ان تصريحات جعجع حول انسحاب الحريري وردّ الامين العام لـ “تيار المستقبل” احمد الحريري عليه، خلق اجواء سنيّة اكثر سخطاً على “القوات اللبنانية”، وان ما كسبه من تعاطف مسيحي بطريقة او باخرى بعد الذي جرى في الطيونة، خسر بنسبة اكبر منه في الدوائر المختلطة ذات النفوذ السني لا سيما في عكار وزحلة واقليم الخروب.
ويلفت المصدر الى ان التيار الوطني الحر لم يتمكن في الوقت نفسه من تحويل معركة التدقيق الجنائي الى حملة شعبية ترفع رصيده في الشارع المسيحي، لكنه في التخويف من عودة المنطق الميليشياوي من خلال تزايد نفوذ “القوات” استطاع تحقيق نقاط ايجابية لصالحه.
ويؤكد المصدر ان التيار و “القوات” ذاهبان في ايار، اذا حصلت الانتخابات، الى معركة كسر عظم اشد من المعارك الانتخابية التي حصلت سابقا، لاعتبارات عديدة يأخذها بعين الاعتبار كل طرف منهما،وفي مقدمة هذه الاعتبارات تأكيد ارجحية تمثيل كل واحد منهما للشارع المسيحي، والتحضير لمعركة رئاسة الجمهورية في الخريف المقبل.
والى جانب هذه المعركة تخوض اطراف مسيحية اخرى معاركها ايضا للاعتبارات نفسها، وتحديدا “تيار المردة” الذي يحافظ على قوته في مناطق الشمال، معتمدا ايضا على تحالفاته السياسية في معركة رئاسة الجمهورية حيث يحظى بتعاطف وتأييد واسعين.
اما جماعات ونشطاء المجتمع المدني في المناطق المسيحية، فانها تسعى ايضا الى تنظيم صفوفها لتشكيل لوائح مناسفة في كل الدوائر. ويبرز حزب الكتائب الذي اختار تنظيم تحالفه مع بعض هذه المجموعات لدعم لوائحه وتعزيز فرص زيادة مقاعده وتشكيل كتلة نيابية وازنة تمثله وتضم نوابا من هذه المجموعات.
اما باقي المجموعات، فتحاول ايضا تشكيل لوائح مستقلة، مركزة نشاطها في الدوائر التي تراهن على احداث خروقات فيها مثل بيروت الاولى والمتن والشوف – عاليه.