IMLebanon

المسيحيون غادروا فرنسا منذ الشيراكية.. وجلهم ينتظر عودة الروسيا

 

 

ماكرون أضنته تعقيدات لبنان.. وأتعبته أكثر أفكار فريقه من المحافظين الجدد

 

إختصر جان إيف لودريان بوجهه الكاره والعابس والمقطّب والمكفهرّ، الرسالة القاسية التي أراد تمريرها الى المسؤولين اللبنانيين في لقاءيه الرسميين في بعبدا وعين التينة، كما في اللقاء الثالث غير الرسمي مع الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري.

 

كان لودريان حادا في نظراته وعباراته، مقتضبا في إجاباته على ما سمعه من شرح لمآل الوضع الحكومي. تخطى احيانا أعرافا ديبلوماسية تفترض أن تحكم أداء وزير خارجية.

 

قال في لقاءيه الرسميين انه جاء الى لبنان بغرضين: أولهما معاينة ميدانية لما تحقق من الإلتزامات الفرنسية الإجتماعية والإنسانية والتربوية، وثانيهما التثبّت مما حققه الأفرقاء اللبنانيون من إلتزامات قطعوها على أنفسهم على طاولة قصر الصنوبر في 1 أيلول 2020.

 

وقال أيضا للرسميين انه لم يأت للتفاوض أو للخوض في الأمر الحكومي الذي هو شأن لبناني داخلي بحت. فالتفاوض إنتهى في 1 أيلول 2020، فيما الإلتزامات اللبنانية لم يتحقق منها شيء، مما يعني حكما أن باريس ذاهبة الى الإجراءات الزجرية – العقابية.

 

كان قاطعا في تحميله مجمل الطبقة السياسية المسؤولية عن فشل المبادرة الفرنسية. وفشلُها في المفهوم الفرنسي هو فشل سياسي وشخصي لإيمانويل ماكرون الذي كان يأمل أن يبتدئ حملته الرئاسية بنجاح لبناني، فإذ به يراكم الخيبة والخسارة والأسى:

 

اهتمام ماكرون لم يكن وجدانياً فقط إنما مرتبط باستعادة الحضور وتمركز توتال لاعباً في المنطقة

 

1- ظهر لماكرون أن اللبنانيين قسوا عليه وزادوا في مساره المأسوي. فأضيفت الخيبة اللبنانية الى جانب نظيراتها الأخرى، داخليا مع تنامي الإعتراضات على سياساته الإجتماعية، وخارجيا في معاركه المتعثرة مع تركيا وفي الساحل الأفريقي، آخرها في مالي، وقبلها في مقاطعة كابو ديلغادو شمال موزمبيق حيث مُنيت توتال، الذراع الإقتصادية الأبرز في السياسة الخارجية الفرنسية، بخسائر نفطية متتالية نتيجة الحرب التي تشنها عليها مجموعة تطلق على نفسها «الشباب»، سبق أن بايعت تنظيم «الدولة الإسلامية».

 

2- وظهر لماكرون أيضا أن مكر الطبقة السياسية تخطى بأشواط ما تحصّن به من خبرة سياسية وثقافة على يد ملهمه الفيلسوف الفرنسي بول ريكور (1913 – 2005) الذي خصّه في مقدمة كتابه «الذاكرة، التاريخ، النسيان» بشكر لمساهمته في تحرير هذا المصنّف الفلسفي المُعتبر.

 

3- وتبيّن له أيضا أن لبنان ليس بالبساطة التي صورتها له خلية الأزمة في الإليزيه. فبقيت حبرا على ورق، الأفكار المنمقة – لكن السطحية – التي صاغتها الخلية لتحقيق نصره اللبناني، حيث الوجدان والنوستالجيا حاضران في بيروت كما في باريس. هي ظلّت أفكارا متخيلة بسيطة – لأزمة لبنانية معقّدة.

 

كان من المفترض أن يأتي هذا النصر بأمرين: خرق لبناني يتيح له البناء عليه في حملته الرئاسية، ولاحقا في إستقطاب الناخب الفرنسي من أصل لبناني، يليه توطيد الحضور الفرنسي في لبنان، «بيزنيسياً» لا ثقافيا وإجتماعيا فحسب، من خلال العطاءات الموعودة لتوتال في بحر لبنان وبرّه. فالإهتمام الماكروني لم يكن يوما وجدانيا فحسب، إنما مصحليا قائما على أمرين: إستعادة الحضور والتأثير بما يتيح للإليزيه منصة عائمة في المتوسط تعيد الألق الضائع على الضفة الشرقية البيضاء، وتمركز توتال لاعبا إستراتيجيا في المنطقة بعدما إضطرتها السياسة الأميركية المتشددة في إيران والتهديد بالعقوبات، الى هجر الحقول الغازية هناك.

 

أضنت ماكرون تعقيدات لبنان، لكن أضنته أكثر أفكار فريقه، وخصوصا أولئك من المعتبَرين محافظين جددا منتسبين، فكرا وممارسة، الى التيار المحافظ في الولايات المتحدة.

 

جمع المحافظون الجدد الفرنسيون في تقويمهم اللبناني، النوستالجيا بالمصلحة، ظناً أن إثارة حنين اللبنانيين الى الأم الحنون سيعيدهم الى بيروت لاعبا مؤثرا، وحيدا أوحد، وسيمكّنهم تحقيق النصر «البيزنيسي» المبين، بمؤازرة من مدّهم من مسؤولين لبنانيين بالآمال الوردية والأبواب المشرعة على النفط والغاز والكهرباء والمرفأ والمطار والإتصالات والمواصلات. لكن فاتهم أن باريس لم تعد للمسيحيين موطئا، لا أما ولا حنونا. خسرتهم باريس منذ أن أدخلها العصر الشيراكي في متاهات المصلحة والكسب، نصرة لفريق على حساب بنيها الأصليين.

 

غادر المسيحيون فرنسا. صاروا في مكان آخر. جلّهم ينتظر ما ستكون عليه عودة الروسيا الى ربوعهم!