Site icon IMLebanon

دوائر واشنطن عرفت ممارسات قطر فلماذا كان صمتها المُريب؟

طغت «أزمة قطر» على ما عداها من تطورات إقليمياً ودولياً. وبظهور هذه الأزمة على سطح الأحداث، تكشف الكثير من الأسرار والمعلومات المسكوت عنها منذ زمن، وسنحاول عبر هذا المقال إماطة اللثام عن بعضها.

والبداية يجب أن تكون مع الموقف الأميركي، حيث اتضح أن الدوائر المعنية في واشنطن كانت على علم بالدور الذي تقوم به الدوحة من حيث دعمها وتمويلها بعض الجماعات الإرهابية. هذا هو الموجز وهاكم التفاصيل.

أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، عن تأييده التدابير التي اتخذها كلّ من المملكة العربية السعودية والبحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر وغيرها من الدول، وقال: «إن هذه التدابير تشكل بداية نهاية الإرهاب».

وفي هذا الكلام ما يكفي لتوجيه الإدانة إلى قطر، البيئة الحاضنة التي أمنتها الدوحة لكل أنواع الإرهاب، ولو بمسميات مختلفة، الأمر الذي وضع دولة قطر في قفص الاتهام.

وأضاف الرئيس ترامب: «إن الموقف العربي ضد قطر بقيادة المملكة العربية السعودية شديد غير أنه ضروري»، وتابع زاعماً: «إن الدول العربية استشارته مسبقاً في القرارات التي اتخذتها ضد قطر»، وذهب إلى أخطر من ذلك قائلاً: «إن قطر عبر تاريخها تؤيد الإرهاب على مستوى عال!».

هذه شهادة أميركية على أعلى المستويات بـ «عراقة دور قطر في تأييد الإرهاب ودعمه». ويمكن الربط هنا بالزيارة التي قام بها دونالد ترامب إلى الرياض (في أول زيارة خارجية له منذ دخوله البيت الأبيض). واستناداً إلى بعض المصادر التي واكبت هذه الزيارة والمداولات التي جرت خلالها، فهي أكدت «تميّز العلاقات الأميركية – السعودية… واستطراداً مع مجموعة الدول الإسلامية التي التقت في العاصمة السعودية (أكثر من 50 دولة). وركزت هذه المصادر على الجانب الاستراتيجي في العلاقات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بالقول: «هي أقل من تنسيق متكامل على الصعيد الإقليمي… وأكثر من حلف عادي».

وفي الخطاب الذي ألقاه ترامب في الرياض، ركّز على ضرورة مكافحة الإرهاب، لكنه أشار إلى المسؤولية المتعاظمة للدول الإسلامية في المواجهة مع الإرهاب، داعياً إلى مزيد من الجهود في هذه المعركة، غامزاً من قناة المشاركين في القمة تحت شعار أن الإرهاب تنامى باستخدام الدين الإسلامي، والإسلام من الإرهاب براء.

وتطور ترامب في حديثه إلى ضرورة مكافحة هذا الإرهاب بشتى الوسائل المتاحة، وبلغت درجة التصعيد في خطابه حد القول: «إن بعض الدول والمرجعيات داعمة للإرهاب وبعضها موجود في هذه القاعة (قاعة الاجتماعات الكبرى في القصر الملكي في الرياض)». ولعله من هذه المنطلقات يمكن أن تفهم تغريدة ترامب تعليقاً على أحداث قطر: «إنها بداية النهاية بالنسبة الى الإرهاب».

ونبقى في الساحة الأميركية لرصد بعض المعلومات ذات الأهمية الخاصة، ومن ذلك ما ورد على لسان السناتور الجمهوري جون ماكين، وهو رئيس لجنة خدمات الأسلحة في مجلس الشيوخ. ففي شهادته حول الأزمة القطرية، قال إنها خطيرة، وإنها الانقسام الأول بين دول الخليج في تاريخها. وأضاف: «إن الولايات المتحدة على علم بالدعم القطري للجماعات الإرهابية، ويجب على الدوحة تغيير سلوكها». وزاد ماكين: «لو كنت رئيساً للولايات المتحدة (وهو مرشح سابق للرئاسة) لأرسلت وزير الدفاع إلى المنطقة على الفور للعمل على معرفة الأمور عن قرب وإنهاء الأزمة بين الدول المتقاطعة… حيث لا يمكننا القبول بالتمويل القطري للجماعات الإرهابية» .

ومضى ماكين كاشفاً عن مزيد من المعلومات التي تتضمن بعض التفاصيل المهمة، فقال ما حرفيته: «إن الولايات المتحدة على معرفة منذ فترة طويلة بأن القطريين يدعمون المنظمات الإرهابية… لقد حاولوا أن يلعبوا دوراً وسيطاً بين كل الأطراف»، مشدداً على «أن الوضع في الخليج خطير… وأن على الولايات المتحدة الأميركية أن تتصرف… يجب أن يتغير السلوك القطري». وتابع: «إنني أستغرب إرسال إيران الإمدادات الغذائية إلى قطر»، مبدياً امتعاضه من هذا التحالف، ومشيراً إلى وجود كثير من القصص التي سيتم كشفها للناس قريباً حول تمويل قطر للإرهاب، إذ «يمكنني أن أؤكد أن هناك مزيداً مما سيفعله القطريون» (المقصود خطورة دعم المنظمات الإرهابية).

ونبقى في السياق الأميركي للأزمة مع قطر، إذ وصف وزير الدفاع الجنرال جيمس ماتيس الوضع بأنه «أزمة معقدة للغاية»، مضيفاً: «إن الأمير آل ثاني ورث وضعاً صعباً وعليه السير في الاتجاه الصحيح… لكننا نثق بأن دعم الجماعات الإرهابية ضد مصلحتنا جميعاً وعلى قطر أن تجد أرضية مشتركة مع جيرانها الدول الخليجية ومصر».

في هذه الأثناء، عقد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، محادثات مع وزير الخارجية الأميركي في واشنطن، وقال إن السعودية تمارس حقها السيادي في منع قطر من استخدام الموانئ والمجالات الجوية السعودية، بينما الموانئ القطرية لا تزال تعمل ومطاراتها مفتوحة. وكان الوزير الجبير يرد على بعض الملاحظات التي أُبديت حول «الحصار المفروض على قطر».

وبعد العديد من المحادثات المكثفة التي شهدتها واشنطن حول الأزمة، توافرت معلومات تفيد بـ»أن الأزمة مع قطر ستأخذ منحى آخر خلال الأيام القليلة المقبلة».

وفي سياق لائحة الاتهامات الموجهة إلى قطر، كشف النقاب عن أن قطر تمتلك جانباً من مبنى «إمباير ستيت» الشهير في نيويورك وتستخدم الأرباح في تعزيز التطرف، كما كشف النقاب عن قيام قطر باستخدام أرباحها في دعم حركة «حماس والإخوان المسلمين والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة». وهذا ما اعتبر تناقضاً مع استضافتها القاعدة العسكرية الأميركية في العيديد.

ويمكن المضي في مزيد من الشهادات والمعلومات الواردة في واشنطن عن مدى اطلاع الجانب الأميركي على معلومات دقيقة حول علاقة دولة قطر بتمويل بعض الجماعات الإرهابية، لكن التحول إلى مسار آخر يقدم المزيد من المعلومات عن العلاقات القطرية مع المجموعات الإرهابية.

وفي ختام القسم الخاص بالإدارة الأميركية ومعلوماتها عن العلاقات الوثيقة بين الإرهاب والإرهابيين وقطر، يحق لنا طرح السؤال التالي:

طالما ان دوائر واشنطن على اختلافها تمتلك معطيات وثيقة عن العلاقات «العريقة» بين قطر والإرهاب، فلماذا لم ترتفع الأصوات للحديث عن هذه المؤامرة الدنيئة؟ فحتى انفجار الأزمة قبل أيام قليلة، ما من طرف تحدث عن الموقف القطري إزاءَ أهم الأخطار المُحدقة بمصير المنطقة؟

هذا الصمت المريب طوال تلك الفترة ثم كشف العديد من المعلومات التفصيلية عن «العلاقات الحتمية» بين قطر وبعض المجموعات الإرهابية… يؤشر إلى ماذا؟

أولاً: الاستمرار في استخدام المجموعات الإرهابية وما تحتاج إليه من الأموال الطائلة، ومختلف أنواع الذخيرة لتمكين هذه المجموعات من التنكيل بشعوب بريئة.

ثانيا: المضي في اعتماد اللغة المزدوجة قي التعاطي مع الدول أو الأفراد أو المؤسسات، وبالتالي الإمعان في مزيد من الجرائم والتخريب في أنحاء مختلفة من العالم العربي.

وإذا كانت دوائر واشنطن تعي ما تقول من حيث مكافحة الإرهاب، كان ينبغي عليها أن تسارع إلى الكشف عن الجانب التآمري.

وبناءً على كل ما تقدم، تتضح صورة قيام «الحلف غير المقدس» بين أميركا من جهة والدول الإسلامية.

وعلى صعيد الوقائع في هذا المجال بالذات، لا بد من الكشف عن فصول غامضة التفاصيل تعود إلى إلقاء الأضواء الكاشفة على صفحات من التاريخ الأسود للمنطقة. وهذه لطخة سوداء في خصوص الدولة الأولى في العالم، وعندها لا يحق للولايات المتحدة أن تحاضر في الضعاف! أو رشق الآخرين بالحجارة والبيت الأميركي من زجاج شفاف!

ونمضي في الحديث عن تداعيات أزمة قطر والمضاعفات التي ستنشأ عند الكشف عن هذه المعلومات البالغة الخطورة: هناك دولة محورية تلعب دوراً كبيراً في مسار أحداث المنطقة المشتعلة. ونتحدث هنا عن تركيا التي لعبت ولا تزال أكثر من دور في المنطقة!

رجب طيب أردوغان الباحث عن أكثر من دور في أكثر من اتجاه وأكثر من بلد، بخاصة بعدما أصبح السيد المطلق بموجب الانتخابات الأخيرة التي جرت لتكريسه، يسعى إلى بعث أمجاد السلطنة العثمانية.

وعلى صعيد الوقائع: أرسلت تركيا لجنة مؤلفة من ثلاثة مستشارين عسكريين إلى الدوحة لبحث وتنسيق ترتيبات فتح قاعدتها العسكرية المقرر أن يكون مركزها مدينة الريان القطرية، ونشر القوات التركية فيها. وهذا عامل جديد لم يكن معروفاً في ما مضى. وكشفت أنقره أن الاتفاق الموقع بينها وبين قطر عام 2014 ينص على «تنظيم نشر قوات تركية في صورة دائمة»، وقد دخل حيز التنفيذ في 15 حزيران (يونيو) 2015.

السؤال المباشر حول هذه المعلومات يجب أن يكون: ما هو الدور المطلوب من الجيش التركي عملياً على الساحة القطرية، بخاصة في ضوء ما كُشف عنه النقاب حتى الآن؟

وبعد…

إن الأزمة القطرية سيكون لها الكثير من الارتدادات والتداعيات والمضاعفات، وبالتأكيد لن يكون واقع مجلس التعاون لدول الخليج العربية هو نفسه. فهل الكشف عن دعم الإرهاب بعد هذا التطور الخطير سيبقي الأمور كما كانت عليه؟

على صعيد طرح السؤال عن مصير مجلس التعاون الخليجي، لن يكون مقبولاً أن تبقى قطر دولة مشاركة في أرفع تجمع خليجي.. وعفا الله عما مضى…

أختم بالإشارة إلى وثيقة أميركية أعدتها مجموعة خبراء الأمن القومي في البيت الأبيض، تقترح قيام منظومة جديدة قوامها دول مجلس التعاون إضافة إلى دول أخرى مجاورة في المنطقة بعد أخذ العبرة الكافية من أزمة قطر.

لقد ركزت في هذا المقال على الجانب المعلوماتي، على أن تكون للبحث صلة في مقالات تتولى تحليل المعطيات المتوافرة وما هي الرؤى التي تنتظر المنطقة.