في اللغة الفرنسية اسمها la tétine ومن مشتقاتها العامية عند أشقائنا الفرنسيين totosse, tototte, tututte, toutouille أمّا في لبنان العربي الانتماء فقد اعتمدنا تعريب الـ tétine بكلمة ” المصاصة” أو “اللهاية” أو “اللهوة “ونادراً ما سمعت بـ “المُسكّتة”. وأجزم، بعد خبرة، أن “المصّاصة” أهم ابتكار لسد بوز الطفل النقّاق وإسكات الوليد المزعج، خصوصاً إن غطستها بمرطبان مربى المشمش. المصاصة تلهي الطفل وتشتت انتباهه عن نشرات الأخبار وتسكت فجوره بالتي هي أحسن.
ومن فوائد المصاصة انها تساعد الطفل على النوم بسرعة، وتخفف عنه الإرهاق وتبقى أفضل من عادة مصّ الإصبع.
ويبدو لي أن طرح الدولة المدنية على الراشدين والكبار والمخضرمين و”المستويين” نضجاً سياسياً، له مفعول المصاصة. فمن جهة أولى تلهي الجمهور عن حقيقة الإنهيار والإفلاس والأزمات الإجتماعية والفقر في لبنان، ومن جهة أخرى تخفف عنه القلق الوجودي والكياني، فينام الناس مطمئنين إلى مستقبل زاهر يمصّون طوال الليل قطعة من السيليكون لا طعم لها، إلى أن يتخدّر الفكّان…وتسقط المصاصة من افواههم !
إن طرح الدولة المدنية كحل لأزمة لبنان المتعددة الأوجه، في هذا الوقت بالذات، أقرب ما يكون إلى “لهوة أطفال” وفعل تكاذب بين مكوّنات السلطة.
فكيف لمُطالب بدولة مدنية أن يستهول العلمنة ويعتبرها مشروع حرب أهلية؟
وكيف لحزب مؤيد للدولة المدنية وإلغاء الطائفية أن يتضمن بيانه التأسيسي التزاماً “بأوامر قيادة حكيمة وعادلة تتجسد في ولاية الفقيه، وتتجسد في روح الله آية الله الموسوي الخميني مفجر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة”.
وكيف لحزب أن يعود ستين عاماً إلى الوراء ليؤكد أن مؤسسه في طليعة المنادين بالدولة المدنية العلمانية متجاهلاً أن الحرب اللبنانية لم تبقِ في صفوفه القيادية مارونياً واحداً سوى أنطوان الأشقر؟
وكيف لدينامو الدولة المدنية أن يعتبر استعادة حقوق المسيحيين في الدولة أولوية الأولويات وهو من أطلق في ثمانينات القرن الماضي واحدة من بنات أفكاره السياسية التي تعالج الخلاف على النظام “تجمع الدولة المركزية المتفق عليه بين اللبنانيين والمختلف عليه يوضع في أطر فدرالية”؟
وكيف لدولة مدنية أن تتحقق من دون نظام موحد للأحوال الشخصية؟
وكيف لدولة مدنية أن تقوم وفيها هذا العدد الوفير من الأعياد الدينية التي تعطل فيها الدوائر الرسمية أكثر مما تعمل؟
وكيف لدولة مدنية أن تبصر النور ونوابها العلمانيون يصلون إلى مجلس النواب ببوسطات سوبر طائفية؟
كيف لدولة مدنية أن تتحقق وهناك رئيس كتلة ينخضّ وجدانه الوطني لمرأى قنينة نبيذ؟
الدولة المدنية، كمادة لطاولة حوار وتلاق، ليست أكثرمن لهوة كبار أو مصّاصة أطفال أي tututte سيدي الرئيس!