ما زالت تداعيات لقاء وزير الخارجية جبران باسيل مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم اللمتحدة، حاضرة بقوة في المشهد السياسي الداخلي، وذلك على الرغم من الإنشغال الحكومي بالملف المالي والإضرابات التي تعمّ الشارع من قبل الموظفين في القطاع العام والأساتذة. وتعتبر مصادر وزارية مقربة من الرئيس سعد الحريري، أن حال الإستنفار السياسي الذي برز في الأيام الماضية قد أعاد فرز القوى على طاولة الحكومة كما خارجها، بعدما بات مؤكداً أنه من الصعب «هضم» هذا اللقاء الذي أتى خارج نطاق الإجماع الحكومي وبمبادرة فردية، أثارت ردود فعل على الساحة اللبنانية ما زالت تتصاعد وتتّخذ طابعاً مختلفاً عن كل الردود السابقة، وذلك انطلاقاً من رفض تيار «المستقبل» لأي شكل من التواصل والحوار مع دمشق من جهة، إضافة إلى التوافق السياسي بين مكوّنات الحكومة على النأي بالنفس عن هذا الموضوع الخلافي على طاولة مجلس الوزراء، وهو ما تحقّق منذ تشكيل هذه الحكومة وفقاً للتسوية التي أنهت الشغور الرئاسي، وأعادت الإنتظام العام إلى المؤسّسات الدستورية.
وقالت المصادر الوزارية نفسها، أن علاقات بعض مكوّنات الحكومة مع دمشق ليست أمراً طارئاً أو مستجداً، مع العلم أن هناك أطرافاً حكومية تعارضها، وقد عبّرت عن موقفها هذا في مناسبات عدة، وخصوصاً الحريري، الذي كان قد قرّر تحييد ملف العلاقة مع سوريا، والإلتزام بالتسوية السياسية القائمة بين كل الأطراف الداخلية. ومن هذا المنطلق، أكدت المصادر ذاتها، أن حال الإستنفار السياسي لدى أطراف في فريق 14 آذار تضامنت مع موقف رئيس الحكومة، تهدف إلى الدفاع عن سياسة النأي بالنفس، وليس إلى المواجهة أو التصعيد. وبالتالي، فإن المناخ الذي نشأ على أثر هذا اللقاء، والذي أكد الوزير باسيل أنه أتى في سياق طبيعي، رأت فيه المصادر الوزارية عينها، مؤشّراً على التصعيد ولكن ليس من قبل فريق الحريري الذي ما زال مصرّاً وملتزماً بالتسوية، وذلك تحت عنوان الحافظ على الإستقرار والحؤول دون أي اشتباك سياسي لا يخدم المصلحة الوطنية، ولا يهدف سوى إلى المناكفات والسجالات السياسية.
من هنا، فإن هذه المسألة الخلافية تبدو معلّقة، في ظل الظروف الدقيقة التي تمرّ بها الحكومة، والتي تتركّز فيها المعالجات حول كيفية تفادي أي نتائج سلبية على الإستقرار المالي، كما تقول المصادر الوزارية نفسها، والتي أكدت أن ملف العلاقة مع سوريا سيبحث في الجلسة المقبلة للحكومة، مع العلم أن أي نقاش في هذا الإطار، هو محكوم بعدم تخطّي سقف التسوية السياسية القائمة منذ الإنتخابات الرئاسية.
وخلصت المصادر الوزارية نفسها، إلى أن هذا الواقع لن يحول دون نقاش مستفيض بدأ يسجّل في أكثر من مجال حول مصير هذه التسوية في المرحلة المقبلة، لا سيما في حال استمرّت الخلافات أو «التحوّلات» في مواقف قوى سياسية أساسية داخل الحكومة.