«يمون وليد بيك»! في الحقيقة هو لا «يمون»، هو أو غيره يعتقد أن له الحق في تحديد ماذا على السعودية أن تفعل؟! الأدهى من ذلك أن تترسّخ لدى هؤلاء قناعة من نوع خاص تجاه «المساعدات» التي يبذلها السعوديون لهم، لتتحوّل بقدرة قادر إلى حقوق يتم تحصيلها!
ظهر جنبلاط في لحظة من اللحظات، أثناء لقائه الإعلامية بولا يعقوبيان، وكأنه زعيم جبل طويق وسط السعودية، وليس جبل لبنان، وبخاصة وهو يحتج على إدراج جزء من شركة «أرامكو» في أسواق الأسهم العالمية، يقول البيك: «أرامكو حق لنا»! ماذا أراد جنبلاط من هذه الفرقعة الإعلامية؟ فالنائب الخبير الذي لا يزال يسمي الحرب في اليمن «عبثية»، تعدّى إلى ما هو أبعد من ذلك، مدّعياً أن الموقف من قطر عبثي أيضاً! إنه يتماهى في ذلك مع الموقف الإيراني. يبدو أنه، وهو الشهير بتقلّباته، أحسّ بشيء من الإهمال من السعوديين، وأحب -مع اقتراب الانتخابات النيابية- أن يلفت انتباههم إليه، متجاهلاً أن للتقلبات حدوداً، وأن صبر السعودية، الذي كان يعبّر عن نهجها في التعاطي مع القضايا الإقليمية، لم يعد مطروحاً على طاولة الإمساك بزمام الأمور التي آلت إليها سياساتها.
هل جبُن الزعيم؟ هكذا يبدو ابن الطائفة المشهورة بشجاعتها، وهو يتمسّح بالاشتراكية التي تجاوزها الزمان والمكان، في سبيل تمرير خطته الملغومة، فأحداث السابع من أيار (مايو) 2008 حين غزت «القمصان السود» منطقته، يبدو أنها لا تزال ماثلة أمام عينيه، تضغط عليه باتجاه هذه اللهجة التصالحية مع «حزب الله» ومع إيران التي سلّمها جنبلاط في تصريحاته الخيط والمخيط، مبرّئاً ساحتها من تبعات توغّلها وتغوّلها في الدول العربية، وملقياً باللائمة في كل ذلك على الأميركيين! في السعودية، لم يعد هذا «التلطيش» بالكلمات والمواقف مقبولاً، هذا ما ينبغي على جنبلاط استيعابه، فالبيك -على رغم خبرته الكبيرة- أخطأ التقدير كثيراً هذه المرة، فكما أن «براغماتيته» له فإن تبعاتها عليه، فعليه أن يتحمّل المسؤولية بصفته سياسياً بمرتبة زعيم، بدلاً من الاختباء خلف التناقضات التي ما عادت تنطلي على أحد، خصوصاً السعوديين، الذين خبروه جيداً.
أميركا، الدولة الأعظم في التاريخ الحديث، وحليف السعودية الأهم، ينظر جنبلاط إلى الاتفاقات الموقّعة معها أخيراً من منظور شعبوي لا يختلف عن تعاطي رجل الشارع البسيط الذي «زغللت» أرقامها عينيه فطمع بها، حتى بات يهرف بما لا يعرف، مدّعياً من هولها أنها ليست سوى نتيجة لما سمّاها «غارة ترامب»، متجاهلاً عن قصد أن الأرقام التي ذكرها لا تشكل رقماً صعباً في موازنة الأميركيين، الذين تتخطى موازنة ولاية أميركية واحدة، حاجزها بمراحل!
جنبلاط تجاهل عن عمد أيضاً زيارة الملك سلمان التاريخية لروسيا، والاتفاقات التي أبرمت في موسكو، وكانت أيضاً ببلايين الدولارات، لكنها تختلف عند سعادة النائب في كونها لا تخدم حملته ضد السعودية، فهو وإن حاول الالتفاف بإظهار وجه النصيحة، فإن حديثه عن الدور الإيراني في بلاده كشف عن نواياه، فذكر ما لم يتجرّأ نصر الله نفسه على ذكره، إذ منح إيران وحدها أحقية البت في خضوع «حزب الله» للشرعية اللبنانية، ساحباً البساط من تحت لبنان وبقية اللبنانيين. تصريحات «الزعيم»، الذي شبّه اليمن بأفغانستان، أظهرت جانباً مهماً في معادلة لبنان، وهو أن لبنان بات شبيهاً باليمن، تخضع قواه السياسية العريقة -إلا ما ندر منها- لهيمنة «حزب الله»، كما يخضع «حزب المؤتمر الشعبي» اليمني ومعه بعض الأحزاب الصغيرة لسطوة الحوثي في صنعاء، هذا المؤشّر الخطر يجب ألاّ يحجب عن اللبنانيين جميعهم مكانة بلادهم التاريخية لدى السعودية، التي تحتاج منهم إلى إبداء حسن النيات أكثر من أي وقت مضى، فالمرحلة عصيبة، ليس على اللبنانيين فقط، بل على المنطقة برمتها، ولا مكان فيها للمتردّدين أو أصحاب المصالح الملتبسة الضيقة.