قد لا يتوقف كثيرون عند إقفال كنيسة القيامة بقرار ذاتي مسيحي. ولكن بالنسبة الى المسيحيين في العالم قاطبة فإنّ هذا الإقفال يُعتبر حدثاً إستثنائياً، تاريخياً، بالغ الأهمية والخطورة. صحيح أن القرار ذاتي ولكنه، في المنطلق، نتيجة للصلف الإسرائيلي الذي يريد منه الصهاينة الضغط على المسيحيين الفلسطينيين لينزحوا عن أرض أبائهم وأجدادهم منذ فجر التاريخ، في سبيل دولة «النقاء اليهودي» التي يبدو أنها هدف، يسعى إليه نتانياهو يتوافق مع مخططات العدو الإسرائيلي المزمنة لهدم المسجد الأقصى. وهذا لم يعد مبالغة أو خيالاً، إنما هو واقع ملموس تعمل الدولة العبرية على تحقيقه بالوسائل المتاحة كافة.
ولقد مرّت أورشليم القدس، عبر تاريخها المسيحي بالكثير من التجارب القاسية إلاّ أنّ إضطهاد المسيحيين فيها تحديداً وفي فلسطين عموما على أيدي الصهاينة لم يتوقف منذ أن قال المسيح بهدم الهيكل الذي «لن يبقى فيه حجر على حجر». وقد تهدّم الهيكل بعدما كان قد «إنشق جداره»عندما أسلم السيد المسيح الروح على الصليب في ختام مسيرة الآلام (درب الصليب)… ويومها كان الإضطهاد الأوّل والأكبر بتآمر اليهود مع الحاكم الروماني (بيلاطس البنطي)، كما يعرف الجميع من مسيحيين وسواهم في مختلف أنحاء العالم.
والفتح الإسلامي في العام 638 أعطى خليفة المسلمين عمر بن الخطاب المسيحيين في القدس تعهداً (عرف بإسم العهدة العمرية) وكان ذلك في السنة الخامسة عشرة هجرية أي بعد نحو خمس سنوات على وفاة النبي محمد… وكان قد خرج لفتح فلسطين جيش عليه القائدان عمرو بن العاص وأبو عبيدة الجراح… وبعد اتمام الفتح كانت «العهدة العمرية» التي أصدرها الخليفة عمر وفيها التعهد للمسيحيين واعطاؤهم أماناً «لأنفسهم وأموالهم وكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها أنه لا تسكن كنائسهم، ولا تهدم ولا ينتقص منها، ولا من خيرها، ولا من صلُبُهم، ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم، ولا يضار أحد منهم ولا يسكن بإيلياء (القدس) معهم أحد من اليهود وعلى أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطي أهل المدائن، وعليهم أن يُخرجوا منها الروم واللصوص، فمن خرج منهم فهو آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم، ومن أقام منهم فهو آمن، وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله مع الروم ويخلي بيعهم وصلبهم، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وعلى صلبهم حتى يبلغوا مأمنهم، ومن كان فيها من أهل الأرض، فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم، ومن رجع الى أهله فإنه لا يؤخذ منهم شيء حتى يحصدوا حصادهم…».
واستمر الوضع على هذا التعاون وبلغ ذروته بتولي النصارى المناصب العليا في الدولة الإسلامية الى أن حلّت ولاية «الحاكم بأمر اللّه» الذي الزم أهل الذمة بلبس الغيار، وبوضع زنانير ملونة معظمها أسود، حول أوساطهم، ولبس العمائم السود على رؤوسهم، وتلفيقات سوداء، وذلك لتمييزهم عن المسلمين. وفي وقت لاحق منعهم من الإحتفال بأعيادهم، وأمر بهدم بعض كنائس القاهرة، كما صدر سجل بهدم كنيسة القيامة في بيت المقدس. وكان هدم كنيسة القيامة أقدس المواقع المسيحية على الإطلاق أحد الأسباب الرئيسية لنشوء الحملات الصليبية. وفي تموز 1099 دخل الصليبيون مدينة القدس وقرروا إعادة بناء الكنائس القديمة المتهدمة بل وإنشاء مبنى ضخم يحوي داخله جميع الأبنية الأساسية وهي موضع موت (الجلجلة) وقيامة (القبر) يسوع (ويكيبيديا).
لسنا في مجال عرض لتاريخ المدينة المقدّسة. إلاّ أننا نود أن نؤكد على أن للقدس حرمة وإهتماماً عالمياً لا يُجارى، على الرغم من غفوة مسيحيي الغرب وبالذات مسيحيو الولايات المتحدة الأميركية الذين غرق الكثيرون منهم في البدع!