IMLebanon

صناعة الألبسة تفتقد خيوط الصمود… وتهترئ!

 

تقاوم الأزمة لتبقى من ميزات لبنان التفاضلية

رغم الحديث عن إقفالات متتالية في ورش الخياطة ومعامل المنسوجات، إلا أن لا أرقام دقيقة حول عددها كما يؤكد رئيس نقابة أصحاب مصانع المنسوجات في لبنان سليمان خطار لـ”نداء الوطن”، ويُرجع سبب الاقفال إلى “عدم قدرة أصحاب هذه المعامل على تأمين اليد العاملة المطلوبة والكهرباء والمحروقات، وهناك معامل لديها عروض عمل، لكن لا يمكنها تنفيذها للأسباب التي تمّ ذكرها”، لافتاً إلى أن “قطاع المنسوجات ينقسم إلى 3 أقسام: معامل الخيطان والقماش والمصابغ ومعامل الخياطة، ولم يبق من هذه المعامل سوى معامل الخياطة والسجاد والمناشف والبياضات”.

 

يلخص سليمان خطار معاناة أصحاب هذه المعامل بالقول: “غلاء المحروقات والكهرباء وفقدان اليد العاملة، كما لم نعد كقطاع نستطيع دفع تكاليف العمال الآسيويين بسبب إرتفاع سعر الدولار في السوق السوداء، ولذلك نعتمد على العمال السوريين علماً أن كلفتهم ليست منخفضة”. مشدداً على أن “هذا القطاع لا يزال مستمراً لأن الازمة أعادت الطلب على منتوجاتنا الوطنية. لكن علينا كأصحاب عمل الموازنة بين كلفة المحروقات والطاقة وبين تنفيذ الطلبيات المطلوبة منا من السوق اللبناني والعربي في الوقت المناسب”.

 

 

ويختم: “الرواتب المنخفضة وراء احجام اليد العاملة اللبنانية عن هذه الصناعة. وفي حال تم تحسين الاجور تصبح اسعار المنتجات مرتفعة وغير منافسة”.

 

 

أرقام من 2018

 

بلغة الارقام أيضاً، يشير تقرير صادر عن وزارة الصناعة عام 2018، الى أن لبنان كان يستورد الألبسة (قبل الازمة) من بلدين أساسيين هما الصين وتركيا، وأنه كان هناك 73 مصنعاً للألبسة الوطنية في لبنان فقط. ولكن لا أرقام عن عدد المصانع عام 2020 و2021 و2022.

 

صعوبات العقدين الماضيين

 

كما يلفت العارفون إلى أن قطاع صناعة الألبسة الوطنية واجه الكثير من الصعوبات خلال العقدين الاخيرين، أبرزها الإعفاءات الضريبية الجمركية على الألبسة المستعملة المستوردة (البالة). كان التجار يعمدون (قبل الازمة) إلى إستيراد ألبسة جديدة من الخارج، لتسجل لدى الكشف عليها في المرفأ في خانة الألبسة المستعملة المستوردة، لإعفائها من الرسوم الجمركية، وهذا أثر سلباً وبقوة على صناعة الألبسة الوطنية.

 

 

 

معاناة صغار الصناعيين… وأصحاب الورش

 

يحاول حسين زهوة (صاحب ورشة لصناعة الألبسة الداخلية في أحد ضواحي بيروت) الصمود حتى نهاية العام الحالي، قبل أن يتخذ القرار بإقفال ورشته، أو البقاء في المهنة التي يحبها وقضى أكثر من نصف عمره يعمل فيها. يُخبر “نداء الوطن” أنه “في ظل الإرتفاع المستمر في أسعار المواد الاولية وكلفة الانتاج ولا سيما الكهرباء التي تضاعفت فاتورتها بشكل جنوني، لم يبق سوى إيجار ورشته معقولاً (بالليرة اللبنانية) مقارنة بالأكلاف الاخرى التي يتكبدها قبل أن تصبح الألبسة التي يُنتجها جاهزة”.

 

يلفت إلى أنه “قبل بداية الازمة كان العائق أمام تقدمنا هو البضائع الصينية المستوردة والرخيصة. واليوم مع حصول الإنهيار تراجعت أعمالنا بشكل كبير خصوصاً أنها تزامنت مع جائحة كورونا، وتجلى ذلك من خلال صعوبة إيجاد مواد أولية وإستيرادها من الخارج بسبب تقلبات الدولار، وإقفال الحدود اللبنانية – السورية في فترات معينة وصار إتكالنا على ما يستورده التجار الكبار ولكن بكلفة أعلى علينا”.

 

يشرح حسين أنه “ما زال صامداً، لأنه يشتري مواد أولية من مصانع أقفلت أبوابها وتريد تصريف ما لديها بدلاً من تلفها (9 ورش للألبسة الداخلية أقفلت خلال عامين واشترى الستوك منها)”، لافتاً إلى أنه “يُصدّر بضاعته إلى الامارات العربية المتحدة والكويت، لكنه لا يستطيع المنافسة مع مصانع كبرى أو البضائع من الدول الآسيوية، كون الكلفة التشغيلية التي يتكبدها من كهرباء ومحروقات وأجور العمال عالية جداً، علماً أنه منذ بداية الازمة تقلص عدد عماله من 14 إلى 5 عمّال حالياً، وقد فضلوا الانتقال إلى مهن أخرى مع الاقفال المتكرر الذي سببته جائحة كورونا”.

 

عبير مقدم (صاحبة ورشة لخياطة البرادي سابقاً وحالياً هي مسؤولة إدارية في مصنع للبياضات في منطقة الحازمية) عانت التحديات نفسها التي يمر بها حسين مما دفعها إلى إقفال الورشة في العام 2018. تشرح لـ”نداء الوطن” أن ” سبب إقفال ورشتها هو تداعيات الحرب السورية على لبنان منذ العام 2013، والتي أدت إلى إنكفاء الزبائن الخليجيين عن المجيء، وتراجع مدخول المغتربين اللبنانيين في بلدان أفريقيا، مما أدى إلى تراجع الطلب على خياطة البرادي الداخلية”، موضحة أنه “في ما خص عملها الجديد كمسؤولة إدارية في مصنع للبياضات الفاخرة، فمنذ بداية الازمة تراجع عدد الزبائن اللبنانيين الذين يطلبون هذه النوعية من البياضات الفاخرة، علما أن لدى أصحاب المعمل صالتي عرض في لبنان لكن مردودهما قليل حالياً”. وتشير إلى أن “الاتكال هو على متاجر المعمل في الخليج ولا سيما في قطر والكويت والمملكة العربية السعودية، وبسبب علاقات أصحاب المعمل المتنوعة وتوفر الدولار الفريش، فلا مشاكل لديهم في التصدير أو شراء المواد الاولية، بل لديهم مشكلة في إيجاد اليد العاملة اللبنانية، إذ إن نصف العاملين في المصنع من الجنسيات الآسيوية بسبب الكلفة الأقل وسهولة التعامل معهم وتمتّعهم بالخبرة اللازمة لخياطة البياضات الفاخرة”.

 

 

لبنان لم يعد أيقونة الموضة والرفاهية

 

أسباب أخرى تقف وراء الانكماش الحاصل في قطاع صناعة المنسوجات والالبسة، منها الوضع السياسي وعدم الاستقرار الذي حوّل لبنان، في أعين الخارج، من أيقونة للموضة والذوق الرفيع والرفاهية إلى بلد يبحث أبناؤه عن “كفاف يومهم”.

 

وفي هذا الاطار يشدد رئيس المجلس الاجتماعي – الاقتصادي شارل عربيد (صاحب مصنع ألبسة)، على أنه “تاريخياً صناعة الالبسة في لبنان كانت من الصناعات الاساسية كونها تشغّل يداً عاملة نسائية، مما يشكل مدخولاً إضافياً للأسر، وتتميز بالمهارة والفن والذوق والابداع. والاهم أن لبنان كان يتمتع بمصداقية ومكانة عالمية على صعيد صناعة الالبسة وعلامة فارقة وقيمة مضافة”. موضحاً أن “المشكلة التي يعاني منها هذا القطاع حالياً هي على ثلاثة مستويات، أولها فقدان اليد العاملة اللبنانية كلياً. فأصحاب المصانع يعانون لإيجاد يد عاملة ماهرة مما يضطرهم للجوء إلى يد عاملة أجنبية لمساندة الانتاج، وثانيها صعوبة إستيراد المواد الاولية من الخارج بالاضافة إلى صعوبة التحويلات المالية الى الخارج”.

 

اين الاستقرارين السياسي والأمني؟

 

يعتبر عربيد أن “السبب الآخر هو عدم الاستقرار السياسي في البلد، لأن هذه الصناعة تحتاج إلى إستقرار أمني وسياسي كي تشجع التجار على توكيل المصانع اللبنانية على إنجاز طلبياتهم من الالبسة والمواد النسيجية، لأن الطلبيات غالباً ما يتم الاتفاق عليها قبل ستة أشهر وأحيانا أكثر، فقطاع الألبسة محكوم بالمواسم والفصول”.

 

يضيف: “لبنان يفقد صورته الجميلة كجوهرة في الشرق الاوسط وكمركز لإستقطاب المهتمين بالاناقة والازياء، وأنه بلد الفن والذوق والجمال. باتت كل الاخبار عن لبنان تتحدث عن تراجع في مستوى المعيشة وتردي الخدمات والمهارات وطغيان المشاكل الاجتماعية”، مشدداً على أن “هذه الصورة تجعل قطاع صناعة الالبسة في لبنان يفقد ميزته التفاضلية والتنافسية بين دول المنطقة، خصوصاً أننا نحاول منافسة دول تملك حوافز كبيرة لمساندة الصناعيين ولديها حوافز لصناعة الالبسة والنسيج مثل مصر وتركيا والاردن، ولا سيما التسهيلات التصديرية والتسويق وهذا الامر مفقود عندنا”.

 

تهريب ماركات وتهرب جمركي

 

يشدد عربيد على أن “قطاع صناعة الالبسة يحتاج إلى تسويق ووضعه في إطار تجميلي وهذا مفقود في لبنان. مما يؤدي إلى تراجعه المستمر وإقفال المزيد من المصانع، هذا بالاضافة إلى المنافسة في الداخل من خلال ورش صناعة الالبسة والمصانع المكتومة، أي تلك التي لا تصرح عن أعمالها ولا تتكلف على عمالها (ضرائب وضمان إجتماعي) على غرار المصانع الكبيرة”، لافتاً إلى أن “النقطة الأخرى التي يعاني منها القطاع هو تهريب علامات تجارية معينة، والتهرب الجمركي من قبل بعض التجار مما يجعل المنافسة مع مصانع الالبسة في لبنان غير متكافئ، ويحوّله إلى قطاع غير جاذب وغير منافس ويؤدي إلى مزيد من الازمات”.

 

ويعتبر أن “هذا القطاع يساهم بشكل كبير في تنمية الاطراف اللبنانية، لأنه ليس من الضروري أن تتواجد هذه المصانع في العاصمة. وتطوير هذا القطاع يحتاج إلى خطة وسياسة متكاملة لا تزال مفقودة في لبنان نظراً للأولويات الاخرى التي يتطلبها الخروج من الازمة”، متمنياً أن “تلحظ خطة التعافي المقبلة تنمية هذا القطاع من قبل الدولة اللبنانية، لكي يستعيد لبنان دوره في هذا المجال، خصوصاً أننا نملك علامات تجارية مهمة وحضوراً عالمياً في مجال صناعة الازياء الراقية ونحن نستطيع إستعادة هذا الموقع”.

 

ويشدد على أن “صناعة الالبسة في لبنان تصنف من الانواع المتوسطة والعالية الجودة، وليست من الاصناف الشعبية والرخيصة التي غالباً ما تأتي من الصين ودول آسيا وتركيا الذين يملكون أحجام إنتاج كبيرة ومواد أولية متوفرة ومدعومة”.

 

إختصاصنا المتوسط والعالي الجودة

 

ويختم: “صناعتنا كانت من الصناعات المتوسطة وعالية الجودة (haute couture) وهذا ما تميزنا فيه، ولذلك لم نستطع أن نُنافس مع تراجع القدرة الشرائية لدى اللبنانيين بسبب الازمة”.