شكونا مرّة في ثمانينات القرن الماضي للمسرحي والإذاعي الكبير الأستاذ محمّد كريّم ـ أطال الله بعمره ـ الشقوق التي تظهر على حيطان صالون الإذاعة (إذاعة صوت الوطن) حيث نجلس في وقت الاستراحة بين موجز ونشرة وبرنامج وأغنية، التفت صوب هذه الشّقوق الطوليّة، ضحك طمأننا، سامعين المتل شو بيقول بالطّول عمّر قصور بالعرض هدّ للأرض»، لبنان بكلّ حيطانه وطرقاته وبنيته التحتيّة والفوقيّة وأحدثها جسر جلّ الدّيب فضائحيّة، كلّ شقوقها بالعرض، لا حلّ لإصلاحها إلا على طريقة «هدّ للأرض»!
كلّفت وزيرة الطاقة خاطرها وطمأنت اللبنانيين الذين يكابدون العتمة غير المبرّرة ـ مهما كانت الأعذار التي قدّمتها ـ بأنّنا «رح نضاين بالفيول لآخر شباط»، متفائلة جدّاً وزيرة الطاقة، «مش رح نضاين أبداً»، لا بالفيول ولا بغيره، ما نتابعه يوميّاً عبثيّ إلى حدّ لا يُصدّق، والدولارالذي يستعدّ للقفز إلى 3000 ليرة سيتسبّب في فقدان كافة الموادّ الأوليّة من الأسواق اللبنانيّة من الغاز والبنزين والفيول إلى الدواء وكلّ ما هو من أساسيّات المعيشة اللبنانيّة اليوميّة، وآخر الأزمات التي تلوح في الأفق كان التهديد بالأمس بتوقّف الأفران، وفي مواجهة هذه العصفوريّة المسؤولين مستقيلين استقالة كاملة من القيام بأمور البلاد!!
من المؤسف أنّ رئيس حكومة تكليف الأعمال غائب عن المشهد في إجازة متخلّياً عن دوره في تصريف الأعمال، فيما على جبهة الرئيس المكلّف وفشله حتى الآن في شرح حرف واحد من أحجية تشكيل الحكومة، سارعت مصادره بالأمس للقوطبة على الكلام الصادر عن الرئيس نبيه برّي فرفع في وجوه اللبنانيين «ثوابت مزعومة» وعلى رأسها «عدم اعتذاره عن تشكيل الحكومة»، بين هذيْن الحاليْن الفاشلين ترك اللبنانيّون لمصيرهم المحزن لا ماء لا كهرباء وهلمّ جرّاً!
العتمة التي غرق فيها اللبنانيّون خلال اليومين الماضيين هي إعلان مدوٍّ لوفاة الدولة، نحن أمام دولة لا تستحي ويصحّ فيها صدق الحديث «إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت»، هذه الدّولة لا تكترث أبداً لحال المواطنين، ولا تفكّر حتى في الاعتذار من هذا الشّعب الصّبور، الّذي تحمّل قرف كلّ الحكومات التي تعاقبت عليه وسرقته ونهبته وتحايلت عليه مستيقنة أنّ أحداً لن يحاسبها، وهذه الطبقة السياسية ما تزال تراهن على عدم المحاسبة هذه وتمعن في هدر وقت لبنان وطناً وشعباً وتتحايل على اللبنانيين بالحديث عن «ماهيّة» الحكومة المطلوبة، وهي لا تملك حتى خطة تقود لولادة هذه الحكومة لإنقاذ لبنان، ولا الحكومة العتيدة تملك أصلاً خطة عمل وبرنامج للخروج بلبنان من هذه الحفرة العميقة التي ستكون مقبرته!
«مش رح نضاين» اللبنانيّون وسط حالة الاستهتار التي تحيط بهم، فالجميع متواطئون ومنخرطون في إظهار الرّغبة القاتلة في المحاصصة، وها هو الوزير جبران باسيل عاد ليطلّ برأسه من شقوق الشاشات ليفرض نفسه على الشعب اللبناني الذي رفضه ولفظه في الشارع وبصيغة «الهيلا هو» المهينة، ومع هذا ها هو يريد أن يعود من جديد حاكماً منفرداً قابضاً على السلطة!
لم يمرّ أسبوع من العام 2020 حتى بدأ اللبنانيّون يترحّمون على سيئات العام 2019، ويتخوّفون من الآتي الأعظم، ترحّموا وتخوّفوا، واسألوا الله يلطف بالبلاد والعباد.. روى الزبير بن عدي – رحمه الله- قال: أتينا أنسَ بن مالك (رضي الله عنه) فشكونا إليه ما نلقى من الحجاج، فقال: «اصبروا فإنه لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم، سمعته من نبيكم ﷺ» [صحيح البخاري، كتاب الفتن رقم الحديث 7068].
ميرڤت السيوفي