يتأكّد يومياً أنّ منظومة السلطة الحاكمة فشلت فشلاً ذريعاً بشكلها الحالي، وقد بدأت تُحضّر نفسها للسقوط الحتمي، بإعادة إنتاج شياطينها بصورةٍ جديدة تُناسب مرحلة ما بعد إنهيار الدولة التي إعتلتها، فمصّت من خيراتها وروحها وارزاقها ومقوماتها، وغيّرت بدورها وهويتها. وها هم افرقاء هذه المنظومة يعملون جاهدين استعداداً لوضع اليد على المولود الجديد الذي قد ينشأ لما تبقّى من شعبٍ مسكين يُقيم على هذه الارض الطيّبة.
تنقّل افرقاء المنظومة في مراحل عديدة متشابهة من التاريخ الحديث للبنان، فمن العمل تحت راية القضية الفلسطينية على حساب سلامة اللبنانيين، الى تقديم الخدمات الامنية والسياسية والمالية للإحتلال السوري، الى المساهمة في تحقيق التسونامي الخادع لرجل العظمة القاتلة والتسويات المُذلِّة، الى التحضير للدخول الى ورشة بناء السلطة المُزمعة بعد إنهيار دولة المزرعة، وبلباسٍ كفيل بتغطية الذهنية التي لم تتغيّر وكانت لها مقاربات مُدمِّرة خلال كل المراحل الماضية من ازمات لبنان، بصحبة المشاريع الغريبة على ارضه وضدّ سيادته وحرّيته، فلم تُعدّل على نفسها إلا انها إكتسبت المعرفة والخبرة لتُشكّل خطورةً اكبر، ولكن لتتكسَّر في النهاية على صخرة الوجدانية والعنفوان اللبناني المُتمثّل بنضال “القوات اللبنانية”.
المعركة القادمة ستكون استمراراً للمواجهات الحالية، حيث سيحاول الفريق المُمانع التلوّن بألوانٍ مختلفة “كالحرباية” لتكون بعيدةً من ألوانه السابقة الفاشلة والمرفوضة، وسيتبنّى طروحاتٍ في ظاهرها إنسانية وتطورية ومدنية، ولكن في عمقها استمرارية للمشروع المُتزمّت والمنغلق والقمعي والشيطاني والتخلّفي والالغائي، وهذا يعني ان المعركة بين الفكرين ستتصاعد بقوة، وما نجاحهم في العودة الى إحتلال إدارات الدولة إلا كتأكيد على المتابعة بتدمير ما تبقّى من مميزات لبنان، وهي حسب وصف نبيل خليفة “الخصوصية اللبنانية هي كيان قائم وثابت وباقٍ على ركائز الاستقلال التام والسيادة الكاملة، امّا الفكر الآخر فيفتقر للكيانية، لانه مرحلي يتحدّد مصيره كجزء من كيان اكبر، أكان قومياً او دينياً او عقائدياً”. اذاً، محورهم والتخلّف توأمان لا يفترقان، واينما حلّ يجرّ معه المآسي لانه في خصائصه يحمل الفشل.
الخط الفاصل بين التوجّهين واضح جداً وجليّ ولا يحتمل تشاطراً من قبل التيارات الانتهازية من الفشل والدجل، او من المجموعات الانتفاضية التأميمية المُتلاعبة بالافكار الاصلاحية. فالخط الحرّ والاقتصاد الحرّ والسوق الحرّة والانسان الحرّ والاصلاح الحقيقي وجمهورية المؤسسات والمواطنية الصحيحة والالتزام الوطني، امور كلها لا نقاش فيها، فإمّا إختيار خط بيع لبنان كجوائز ترضية في المفاوضات الاقليمية الجارية، وهذا الخط يُمثّله بوضوح “حزب الله” واتباعه وكل من يُبرّره بشمل الآخرين في الاتهامات معه، واما الخط الآخر الذي يحمي المسار الطبيعي للتطور البشري والازدهار الانساني والذي تحمله “القوات اللبنانية”.
فعلياً، إنها معركة إعادة بناء الوطن، او العودة المذلولة الى منطق المزرعة والدويلة.