مؤشرات تتقاطع مع معلومات غربية تفسّر سبب توتر «حزب الله»
انهيار النظام السوري بات وشيكاً
تتراكم مؤشرات إقليمية ودولية تدلّ على أن التحولات الجيو- سياسية بدأت ترسم ملامح الشرق الأوسط الجديد الذي سيغرق في فوضى لا يلوح أفق ملموس لنهايتها، وتحكمه شبه دويلات تتحارب في ما بينها ستأتي على ما تبقى من ملامح حضارات تاريخية، وأن مصير النظام السوري بدأ يتحدّد حيث دخل في مرحلة بداية النهاية بعد الانكسارات العسكرية العديدة التي مُني بها في الفترة الأخيرة لصالح المعارضة من جهة، ولصالح «الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)» من جهة أخرى خصوصاً، وبطريقة مشكوك فيها، ولعلّ هذه المؤشرات تفسّر السبب الواضح في التوتر الذي يعاني منه «حزب الله» والذي وصل إلى ذروته في الخطابين الأخيرين لأمينه العام السيد حسن نصرالله.
وتتقاطع مصادر نيابية وسطية مع مصادر غربية مطلعة، عند القول إن رئيس النظام السوري بشار الأسد دخل في مرحلة النهاية وهو أصبح أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الانسحاب إلى «الدويلة العلوية» التي تمتد على قسم كبير من الشاطئ السوري، وإما محاولة الفرار من دمشق واللجوء إلى حليفه الإيراني في طهران، بعدما رفض حليفه الروسي استقباله على أراضيه.
وقالت المصادر الوسطية لـ«المستقبل» إن «الأسد لم يعد قادراً على الاستمرار في الإمساك بدمشق والإبقاء عليها كعاصمة مركزية لدولته التي لم يعد يسيطر على أكثر من ربعها، وكل ما يقال عن معركة دمشق ووجود قوة كبيرة من حزب الله جاهزة للدفاع عنها إلى جانب جيش النظام السوري، أو ما تبقى منه، ليست سوى تسريبات إعلامية بعيدة جداً عن الحقيقة والواقع وهو ما ليس خافياً على بشار نفسه».
وتتوقع المصادر أن يكون «سقوط دمشق قريباً وسيلحقه حتماً سقوط حمص أو تسليمها إلى داعش، وأن قوات ما يسمى بجيش الإسلام بقيادة زهران علوش ستدخل إلى عاصمة الأمويين وتحتلها بعد معارك سيخوضها حزب الله مستميتاً للدفاع عنها وما سينتج عن ذلك بكل أسف سقوط المزيد من القتلى اللبنانيين في ساحة رفضنا منذ البداية التدخل فيها ودعونا إلى عدم التورط في وحولها والغرق في مستنقعاتها»، مشيرة إلى أن «الأخطاء المتراكمة لروسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرغي لافروف في التعامل مع سوريا أوصلنا إلى ما نحن عليه بكل أسف، ويبدو أن هناك قبولاً أو موافقة روسية على تقسيم سوريا».
ولا تستبعد المصادر الغربية هذا «السيناريو»، لا بل تؤكّد أن «سقوط دمشق بدأت ملامحه تظهر منذ فترة قريبة مع سقوط مدينة جسر الشغور الاستراتيجية، واستكمل مع سقوط مدينة تدمر التاريخية بيد داعش».
وأكّدت المصادر لـ«المستقبل» أن البحث جارٍ حالياً في الأوساط السياسية الغربية «حول ما بعد النظام والتداعيات المحتملة على التطور الحتمي والقريب لسقوط النظام السوري»، مشيرة إلى أن الحكومة البريطانية بدأت البحث جدياً في مشروع «إرسال قوات بريطانية قوامها خمسة آلاف جندي للانضمام إلى قوات أوروبية مشتركة يتم الإعداد لها بهدف التدخل عسكرياً على الأرض في سوريا لمواجهة التقدم السريع لداعش».
غير أن المصادر الوسطية تبدي خشيتها من أن يؤدي سقوط دمشق واحتمال سقوط حمص إلى «وصول الخطر إلى الساحة اللبنانية الداخلية، إذ إن حمص تاريخياً هي السور الدفاعي الأول عن لبنان، وبما أن مخططات الدولة الإسلامية كانت منذ البداية تتحدث عن ضرورة حصولها على منفذ بحري، فإن هذا المنفذ سيكون في شمال لبنان، وهنا بيت القصيد».
وإذ أشارت المصادر إلى أن القلق الحقيقي يتمثل في «بروز نشوة انتصار لدى اللبنانيين السنة من سقوط بشار وتقدّم داعش»، أكّدت أن ذلك «يتطلب جهداً حقيقياً من الإسلام المعتدل الذي يمثله الرئيس سعد الحريري ليمنع تمدّد هذه النشوة التي تخدم مشروع الفتنة السنّية – الشيعية، والتي يحاول الحريري وحزب الله تفاديها من خلال الحوار القائم بينهما، كما يتطلّب تواضعاً أكثر من حزب الله وعدم المضي في خطابه المتوتر وكبح الكلام الذي يُلقى على عواهنه من قبل مسؤوليه ويتضمن تهديدات لا طائل منها سوى زيادة الاحتقان والتوتر».
وتؤكّد المصادر أن «الشرق الأوسط القديم سقط مع سقوط اتفاقية سايكس بيكو، فلم يعد العراق كما عرفناه ولا سوريا كذلك ولم يعد يبقى سوى لبنان الجنرال غورو، والأردن كما كان على أيام الملك عبدالله، وإسرائيل التي قامت على وعد بلفور، لكن الهم الأكبر هو الحفاظ على لبنان غورو».
أضافت «المؤسف أن المنطقة تتجه إلى أن تصبح دويلات تتناحر في ما بينها، وعلينا في لبنان أن نتجنّب قدر المستطاع الرياح العاتية الحارة التي تتجه صوبنا، ومن هنا الدعوة مجدّداً إلى التعقّل والحكمة، وتهدئة الخطابات النارية المشتعلة، وتحييد الجيش الوطني عن المزايدات السياسية وإبقائه بعيداً عن المناحرات الطائفية والمذهبية، لئلا نخسر لبنان الميزة الفريدة في هذا الشرق الملتهب».
وتؤكّد المصادر الغربية من جهتها أن «المظلة الدولية التي تغطي لبنان وتؤمن حمايته، لا تزال موجودة لغاية اليوم، لكن يجب التنبّه إلى أن لبنان يقع في أسفل أجندة المجتمع الدولي الذي يبحث حالياً في مستقبل الشرق الأوسط بأكمله، ولبنان يحتل مكانة متراجعة نسبة إلى ما كان عليه في الماضي، فعلى اللبنانيين أن يستغلوا هذا الواقع ويسعوا إلى تأمين ما يلزم من الحد الأدنى من الاستقرار بانتظار ما ستؤول إليه المنطقة في المستقبل، ولعله بذلك يخرج رابحاً من صراعات الآخرين بعدما دفع ثمناً كبيراً لصراعات هؤلاء الآخرين على أرضه».